هل تسرق مثل فنان... ولا تخف

نبض البلد -

صالح سليم الحموري

خبير التدريب والتطوير

كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

في عالمٍ تغمره الصور، وتتشابك فيه الأصوات، وتتزاحم فيه الأفكار على الظهور، لا وجود لما يُسمّى "فكرة خالصة". كلّ ما نكتبه، نرسمه، نؤلفه، أو نبتكره، هو نتيجة تراكم طويل من "السرقات الجميلة".

نعم، نحن نسرق... لكننا نسرق كفنّانين. سرقاتنا ليست انتهاكًا، بل امتنانٌ وتقدير. نستلهم من الكتب، من القصص، من جملةٍ في فيلم، من مشهدٍ عابر على الرصيف، من نبتة صغيرة تشقّ طريقها عبر الإسمنت، من صوتٍ سمعناه في حوارٍ جانبي، من لوحةٍ لمعت أمام أعيننا، أو من سلوك طفلٍ في زحمة الحياة.

الفنان لا "يخترع" من فراغ، بل يُعيد ترتيب ما هو موجود. فالمعرفة البشرية سلسلة متراكبة من الاقتباسات. الأديب الكبير يقرأ في طفولته القصص القديمة، ثم يُعيد حياكتها بلغة عصره. المخرج العبقري يرى مشهدًا في الطبيعة، ثم يعكسه ضوءًا وظلًا على الشاشة.

العالِم يبني على أكتاف من سبقوه،

والمبدع يسرق... لكن بذوق.

"اسرق مثل فنان" لا تعني النسخ الأعمى، ولا تعني السرقات الأدبية، بل تعني البحث عن الشرارة الأصلية خلف الأشياء. أن ترى في الفكرة ما لم يره غيرك، أن تلتقط المعنى العميق، ثم تعيد تشكيله بأسلوبك، بمشاعرك، وبصمتك التي لا تُقلَّد.

حتى "الأصالة" التي نحب التباهي بها، ليست سوى اختيار ذكي لتأثيرات كثيرة، جُمعت، وتخمّرت، ثم أعيد تقديمها بلونٍ جديد.

من يظن أن الإبداع يولد وحده في عزلةٍ نقية، لا يعرف كيف تنمو الأفكار. نحن نسرق عندما نقرأ، عندما نحلم، عندما نتأمل في مشهد الغروب. نسرق حين تهزّنا صورة، أو تُشعل فينا جملةٌ شيئًا.

فلا تخف من "السرقة"... فكلنا نسرق — وأنا أولكم.

لكن لا تخف من تُهمة سرقة فكرة... خَف فقط من الجفاف، من الفراغ القاتل الذي لا ينبض فيه شيء.

حين كتبتُ رسالة الدكتوراه، وقبلها رسالة الماجستير، "سرقت" كثيرًا — لكننا في العالم الأكاديمي نسمّيها: "اقتباسات". نأخذ الأفكار، نعيد صياغتها، نضيف إليها رؤيتنا، ثم نعيدها إلى العالم وهي ترتدي صوتنا.

فلا تقل: "هذه الفكرة ليست لي"، بل اسأل نفسك:

كيف أجعلها تتحدث بلساني؟

كيف أبعث فيها روحي؟

كيف أعيد خلقها من جديد؟

لا عيب في أن "تسرق"، لكن فقط... اسرق مثل فنان.

التقط الجمال من أي مكان، احمله إلى مرآتك، دع قلبك يُعدّل نغمه، ثم أطلقه إلى العالم وكأنه وُلد منك.

لأنك ببساطة... أضفت نفسك إليه.

كل شيء موجود: الأفكار، الصور، الكلمات...

لكن ما ينقصه هذا العالم هو "أنت".

وبالمناسبة، نعم — لقد "سرقت" عنوان هذا المقال من كتاب شهير يحمل الاسم نفسه: "اسرق مثل فنان" للمبدع أوستن كليون.

لكنني أضفت إليه لمستي الخاصة، فصار العنوان: "اسرق مثل فنان... ولا تخف" أضفت ثلاث نقاط وكلمة "لا تخف"، لأقول إن السرقة الإبداعية ليست عيبًا، بل أحيانًا ضرورة.

كتاب "اسرق مثل فنان" هو من أوائل الكتب التي نصحنا بقراءتها — بكل فخر — أستاذ الابتكار والتفكير التصميمي، صاحب كتاب "رحلة الابتكار"، باسم جفال.
كتابٌ يُذكّرنا بأن الإبداع لا يولد من العدم، بل يُبنى من إعادة ترتيب ما نراه، وما نسمعه، وما نشعر به، وما نؤمن بهبطريقتنا الخاصة، وبصمتنا التي لا تُقلَّد.