نبض البلد -
محسن الشوبكي
في خضم الإعلان عن وقف العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل بوساطة أميركية، ووسط تعتيم على تفاصيل الاتفاق، تبدو الساحة الإقليمية أمام لحظة مفصلية تكشف عن تصادم مشاريع لا تتنافس على النفوذ فحسب، بل تُعيد رسم مستقبل المنطقة. ما يحدث ليس حدثًا منفصلًا، بل فصلٌ ضمن معركة استراتيجية مستمرة، تُدار فوق الأرض العربية، وتستهدف البنية المجتمعية والسياسية من دون هوادة.
تتقاطع في المنطقة العربية ثلاثة مشاريع إقليمية فاعلة: مشروع إيراني يُصدّر التشيّع السياسي عبر أذرع مسلحة تُضعف السيادة وتُعمّق الانقسام، ومشروع صهيوني يسعى لتكريس الهيمنة من خلال التطبيع وتفكيك الوعي الجمعي، ومشروع تركي يوظّف الدين والتاريخ للتوغّل الاستراتيجي. جميعها تستغل هشاشة الواقع العربي لتوسيع نفوذها، حيث تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من 60% من السكان يعيشون في بيئات متأثرة بنزاعات أو هشاشة سياسية مزمنة.
تُغذّي هذه المشاريع خطابًا شعبويًا يُروّج للوهم والانتصارات المؤقتة، ويُعيد تشكيل الوعي الجمعي بما يخدم أجنداتها، لا مصلحة الشعوب. يتجلى ذلك في ترويج ما يُسمّى بـ"محور المقاومة" كغطاء أيديولوجي لممارسات تدميرية، يُوظَّف فيها الدين لأهداف سياسية، فيتحول إلى أداة استقطاب وتفكيك، لا أداة وعي ونهضة. أما التشيّع السياسي، فلم يعد يقتصر على المجال الديني، بل أصبح نموذجًا لاختراق السيادة الوطنية عبر خطاب المظلومية والتحريض الطائفي.
الهتاف لانتصار طرف على آخر في معادلة مفروضة مسبقًا لا يصنع وعيًا، بل يعمّق الغيبوبة السياسية ويمنح شرعية لمن يمارس الإخضاع تحت لافتات المقاومة أو الحماية. فالخطر لا يكمن فقط في المشاريع الخارجية، بل في القابلية الداخلية لتصديق شعاراتها والانخراط فيها.
ليست المواجهة مع هذه المشاريع خيارًا، بل ضرورة وجودية. المطلوب ليس الانجرار إلى معارك تُدار خارج الإرادة العربية، بل بلورة موقف سيادي عقلاني يحصّن الهوية، ويُعيد الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية الجامعة. إنها لحظة فارقة لا تحتمل التردد ولا الاستقطاب، بل تتطلب مشروعًا عربيًا يعيد التوازن ويقطع الطريق أمام التبعية السياسية والثقافية.