نبض البلد - *كنا على شفير الحرب العالمية… هل "زمطنا" حقا؟*
"السماء تُحمّل الغيوم رُكامًا، والمفاعل يصدح بزعيق الانصهار؛ هل كنا حقًا على حافة سقوط؟”
هكذا بدت الصورة في الأيام العصيبة التي امتدت من الخميس ١٢ حزيران ٢٠٢٥ حتى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف الحرب.
أيامٌ مشبعة برائحة البارود، محمّلة بتوجّس العالم من انزلاق قد لا يُبقي حجرًا على حجر، ولا يفرّق بين مدنٍ مأهولة ومواقع عسكرية.
لقد عشنا لحظةً تاريخية، كأنّ الزمن توقّف ليتأمّلنا: هل سنعود إلى عصور المجازر الكبرى؟ هل انطلقت الشرارة الأولى لحربٍ عالمية ثالثة؟ أم أننا، ببساطة، "زمطنا”؟
الاغتيالات الشرارة الأولى
بدأت المعارك الصاروخية بحملة اغتيالات دقيقة نفّذتها إسرائيل ضد قيادات إيرانية رفيعة. كان من الواضح أن الهدف لم يكن فقط التصعيد، بل كسر هيبة إيران داخل حدودها. عمليات مركّبة، استخبارية الطابع، نفّذتها إسرائيل، وطالت قيادات في الحرس الثوري، وبرامج التسليح النووي والصاروخي. بدا المشهد كأنه تذكير إسرائيلي صارم بأن يدها طويلة، وتصل حيث لا يتوقع أحد.
ردّت طهران، لكن ردّها جاء "باردًا ساخنًا”: تصاريح حادّة، تهديدات واضحة، ثم انتظار. إيران كانت تُدرك أن الاندفاع في الردّ باستخدام كل ما لديها من قدرات عسكرية قد يفتح بابًا على جحيم أوسع، فجاء ردّها بوابلٍ كبيرٍ من الصواريخ والمسيّرات استطاعت الدفاعات الجوية والمقاتلات الاسرائيلية اسقاط جزء مهم منها، ووصول ما تبقى الى اهدافٍ لا نعرف ان كانت هي المنشودة، وتبعتها أوابل بأعداد صواريخٍ ومسيّرات أقلّ.
العاصفة تشتد: أميركا تدخل المشهد
غير أن كل الحسابات تبدّلت فجر ٢١ حزيران، حين أعلن دونالد ترامب، من على منصته المفضّلة "تروث سوشل”، عن العملية العسكرية الأميركية الأضخم ضد إيران منذ عام ١٩٧٩.
القاذفات الأميركية B‑2 انطلقت من قواعدها البعيدة، ترافقها غواصات أطلقت صواريخ توماهوك باتجاه منشآت نووية إيرانية محصّنة في نطنز، فوردو، وأصفهان. كانت الرسالة واضحة: "نحن هنا، ولن نسمح لإيران بتجاوز الخط النووي الأحمر”.
وما إن انتشرت صور القصف، حتى بدأ العالم يحبس أنفاسه. الأسواق اهتزت، أسعار النفط ارتفعت، وحُجِزَت الطائرات على الأرض في بعض مطارات الخليج. وكأنّ الأرض نفسها توقفت عن الدوران للحظة.
إيران تردّ… ولكن بحساب
لم تتأخر إيران في الرد، لكن ردّها جاء أشبه بـ”صفعة مدروسة”، لا بلكمة مميتة.
في ليلة ٢٣ حزيران، أعلنت طهران أنها استهدفت قواعد أميركية في قطر والعراق بـ١٤ صاروخًا، وقالت إن الرسالة وصلت.
من جانبهم، أعلن الأميركيون أن ١٣ من أصل ١٤ صاروخًا أُسقطت، وأن الخسائر كانت معدومة.
ترامب سارع بعنجهيته إلى إعلان النصر، واعتبر أن الرد الإيراني "ضعيف جدًا”، وأن العملية الأميركية "أثبتت أن إيران لا تملك الجرأة على التحدّي”، كما شكر ايران على ابلاغ أميركا بقصفها للقواعد العسكرية الأميركية بقطر.
الرد الإيراني بدا وكأنه محاولة للخروج بصورة مشرفة، دون الانجرار إلى حرب شاملة.
لم يكن هدف طهران فتح بوابة جحيم عسكري، بل تسجيل موقف، ثم العودة إلى موقع المراقبة.
وقف النار.. أم الكلام؟
في ٢٣ حزيران، أعلن ترامب "انتهاء الحرب”. تصريحٌ مفاجئ في توقيته، لكنه محسوب في مضمونه. لم يكن هناك اتفاق رسمي، ولا بيان مشترك، ولا هدنة مكتوبة. فقط إعلانٌ من طرف واحد بأن ما حدث قد انتهى، وكأن رئيس أقوى دولة في العالم يُعلن نهاية معركة عالمية بتغريدة.
في المقابل، وفي بادئ الأمر رفضت إيران، عبر تصريحات لمسؤولين كبار، الاعتراف بوقف إطلاق النار، وقالت على لسان مسؤوليها إن أي تهدئة "يجب أن تبدأ بوقف إسرائيل لاعتداءاتها”، لتعود عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي وتتبنى الموقف الذي نشره ترامب عبر "تروث سوشل".
في الواقع، ما حصل لم يكن سلامًا، بل تجميدٌ مؤقتٌ للصراع، قائم على توازن هشّ، وتحذيرات ضمنية: "لن نسكت مجددًا، لكننا لا نريد الانتحار الجماعي”.
هل "زمطنا" حقًا؟
نعود إلى السؤال الكبير الذي يشغل العقول والضمائر:
هل "زمطنا" فعلاً؟
الجواب ليس بسيطًا. نعم، توقّفت الضربات، لم تقع حرب شاملة، ولم تُدمَّر تل أبيب أو تُسحق طهران.
لكن، بالمقابل:
•لم يتراجع أحد عن مواقفه.
•لم تُبرم اتفاقيات جديدة.
•لم تنتهِ طموحات إيران النووية، ولا المخاوف الإسرائيلية، ولا التدخل الأميركي.
ما جرى كان توازنًا على حافة الهاوية، مشيًا فوق سلك كهربائي مشدود، بين جنون التصعيد وحكمة اللحظة الأخيرة.
حقل ألغام… الانفجار مؤجَّل
ما حصل في حزيران ٢٠٢٥ يشبه مشهدًا سينمائيًا نُسيت فيه الكاميرات مفتوحة بعد أن غادر الممثلون.
لا أحد يعرف متى تُستأنف اللعبة، ولا كيف. لكن المؤكد أن الأسباب التي كادت تُشعل حربًا عالمية لا تزال قائمة:
•البرنامج النووي الإيراني لم يُدمّر كليًا.
•إسرائيل لا تزال تُلوّح بالضربات الاستباقية.
•أميركا محكومة بالدفاع عن حليفتها الأقوى في الشرق.
•والخليج، من قطر إلى الإمارات والسعودية، يعيش قلقًا يوميًا من الانجرار إلى أتون الصراع.
خاتمة: هل كنا حقًا على حافة السقوط؟
نعود ونذكر انّ السماء كانت تُحمِّل الغيوم رُكامًا، والمفاعل يصدح بزعيق الانصهار؛ ونسأل من جديد: "هل كنا حقًا على حافة سقوط"؟
نعم، كنّا على الشفير، لكن العاصفة هدأت قبل أن تقتلع كل شيء، ورغم صمت المدافع، لا تزال القلوب معلّقة بخيوط الهدوء الواهية.
لقد "زمطنا” هذه المرّة… لكن، من يضمن أن ننجو في المرّة المقبلة؟
أسعد نمّور