المساد: اتجاهات سلبية بين الطلبة نحو المدرسة واستعداد مبكر لمغادرة التعليم
درويش يدعو "التربية" إلى عقد ورشات توعوية للأمهات حول خطورة هذه الظاهرة
شذى حتاملة
التسرب المدرسي ظاهرة قديمة متجددة ما زالت تتفاقم بدون حلول جذرية تحدث فرقًا حقيقيًا، فرغم جميع الخطط والمبادرات والجهود التي بذلت، إلا أن الأرقام تشير إلى استمرارية التسرب المدرسي لا سيما في الصفوف العليا.
استمرار هذه الظاهرة يؤكد وجود خلل قد يكون لأسباب اقتصادية أو اجتماعية محيطة بالطلبة، وهذا التكرار يستدعي من الجهات المعنية وتحديدًا وزارة التربية والتعليم وضع حلول جذرية وفهم الأسباب الحقيقية خلف عزوف الطلبة عن مقاعد الدراسة ومن ثم وضع خطط قابلة للتنفيذ تحد من هذه الظاهرة.
دائرة الإحصاءات العامة أكدت أن ظاهرة التسرب المدرسي ما زالت تلقي بظلالها على المشهد التعليمي حيث بلغ عدد الطلبة المتسربين خلال العام الدراسي 2023/2024 نحو 11،720 طالبًا وطالبة توزعوا على الصفوف من الأول حتى العاشر، فيما بلغ العدد الإجمالي من المتسربين من الذكور 6،826 طالبًا مقابل 4،894 طالبة.
مدير المركز الوطني لتطوير المناهج سابقًا الدكتور محمود المساد يرى أن معدلات التسرب المدرسي في معظم دول العالم تتجه نحو الانخفاض، رغم وجود بعض الاستثناءات التي تفرضها ظروف وتحديات، مبينًا أنه في الأردن، ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة التربية والتعليم، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن الواقع أحيانًا يكشف عن مفارقة مقلقة، فما يخطط له لا ينعكس دائمًا على أرض الواقع، فالصور اليومية في أماكن العمل التي تستقطب الأطفال وتستغلهم كأيدٍ عاملة رخيصة أو مجانية، تظهر خللًا واضحًا، وهو ما أكدته دائرة الإحصاءات العامة في تقريرها لعام 2022.
وتابع أن معظم أفراد المجتمع يعرفون ويتعايشون مع أسباب هذا التسرب، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، لكن أن تصبح المدرسة في العقد الأخير هي من أهم الأسباب لهذا التسرب وارتفاع نسبه إلى مستويات عالية، فهذا هو غير المعتاد، مضيفًا أن مناخ البيئة المدرسية السائد وظروفها يتصف بالقلق والتوتر والجفاف وضعف التواصل وسلبيته، كما يتصف بالملل والبيئة الطاردة التي يصنعها بعض المعلمين غير المهتمين، الذين يعتبرون مواقع عملهم محطة انتظار ليس إلا، وفي المقابل تظهر لدى الطلبة اتجاهات سلبية تجاه المدرسة، واستعداد كبير لترك التعليم بحثًا عن عمل أو ترفيه أكثر جذبًا.
وبين أن دور أولياء الأمور قد يكونمحايدًا أو مشجعًا للتسرب بدواعي الفقر أو التفكك الأسري أو عناد الأبناء وضعف قدراتهم كما يبدو للآباء، لهذا فإن الوزارة والجهات ذات العلاقة من المجتمع المدني معنية لتأمل هذه الظاهرة الغريبة، خاصة أنها تطال أعمار قد حسموا أمرهم بخيار الدراسة والاستمرار بها، متسائل ما الذي حصل وغيّر التوازنات في هذا الموضوع؟
ولفت المساد إلى أن ارتفاع نسب بطالة الخريجين ترك انطباعًا مؤلمًا لدى هذه الفئة المتأرجحة من الطلبة بعمر المراهقة وتقلب الهوية، وبأن لا جدوى يُنتظر من التعليم مشيرًا إلى أن هناك حاجة ماسة للأهل بعمل الأبناء بمهن ذات مردود اقتصادي سريع، وهذا يعني أن تغيرًا حصل على ثقافة المجتمع فيما يتصل بسن الزواج للبنات والذكور وثقافة العيب بما يتصل بطبيعة العمل ونوعية الأعمال.
أمّا فيما يتعلق بزيادة نسب التسرب وتغيرها بين الإناث والذكور، أكد المساد أن ذلك فرضته طبيعة التغير الاجتماعي وتغير ثقافة المجتمع فيما يتصل بتأخير سن الزواج وأن للبنت حق التعليم حتى ما بعد الجامعي، مشددًا أن الذكور أصبحوا أميل للعمل على حساب التعليم الذي تبدلت النظرة إليه كمردود مالي مضمون، إضافة إلى أن الشهادة الجامعية لم تعد الشرط الأساسي للزواج والمكانة الاجتماعية بعد أن طالها غياب فرص العمل.
من جهته، أوضح الخبير التربوي الأستاذ محمود درويش أن ظاهرة التسرب المدرسي تعود إلى عدة أسباب رئيسية، أبرزها الأسباب الاقتصادية والوضع المادي الصعب الذي تعاني منه بعض الأسر، ما يدفع بعض الطلبة إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل، وخاصة في المقاهي المنتشرة على الطرقات، وهو أمر بات ملحوظًا في الفترة الأخيرة.
وأضاف درويش أن الأوضاع الاجتماعية، مثل انفصال الوالدين والتفكك الأسري، تعد من العوامل المؤثرة أيضًا، كما أن جائحة كورونا لعبت دورًا في تعزيز هذا السلوك، حيث نجح الطلبة خلال تلك الفترة في متابعة التعليم عن بعد، مما جعل المدرسة بالنسبة للبعض أمرًا ثانويًا، مشيرًا إلى أن الصف التاسع يسجل أعلى معدلات التسرب، وذلك لأن الطالب في هذه المرحلة يكون غالبًا مسؤولًا عن إعالة أسرته، فضلًا عن تأثره برفاق السوء الذين لهم تأثير سلبي كبير.
وأكد أن التسرب المدرسي لا يعزى إلى خلل في النظام التعليمي بحد ذاته، بل يرتبط أساسًا بالظروف المادية والحاجة، مشددًا على أهمية دور المجتمع ووسائل الإعلام في توعية الطلبة بمخاطر التسرب، إضافة أن على وزارة التربية والتعليم أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الجانب من خلال تنظيم ورشات توعوية للأمهات حول خطورة هذه الظاهرة.
وأشار درويش إلى أن الوزارة قد بدأت بالفعل باتخاذ بعض الإجراءات، مثل إطلاق برنامج "التغذية المدرسية" في بعض المدارس، حيث يعاني عدد من الطلبة من عدم القدرة على شراء وجبات طعام، ما يسهم ولو جزئيًا في التخفيف من حدة التسرب.