نبض البلد -
النعيمات: لدينا المقومات لكننا نحتاج بيئة مرنة وتمويلًا حقيقيًا لننافس إقليميًا
شوشان: الهندسة البيئية هي الأساس لكن بلا بنية وتمويل لا يمكن أن تزدهر
– ميناس بني ياسين
في وقت تتسارع فيه الخطى العالمية نحو تبنّي الاقتصاد الأخضر، وتتصاعد فيه التحديات البيئية والمناخية على مستوى العالم، لم يعد ممكنًا للدول أن تتجاهل أهمية التحول نحو أنماط إنتاج واستهلاك أكثر استدامة.
وتبرز هنا ريادة الأعمال الخضراء كمسار محوري يربط بين الابتكار الاقتصادي والحفاظ على البيئة، ويساهم في خلق فرص عمل جديدة تستند إلى مبادئ التنمية المستدامة.
فالمستقبل الأخضر ليس خيارًا، بل ضرورة اقتصادية وبيئية تفرضها التحديات الحالية، وتتيح للأردن فرصة ريادية للمساهمة الفاعلة في التحول نحو التنمية المستدامة.
وفي المنطقة العربية بات من الواضح أن دولًا مثل الإمارات والمغرب قطعت شوطًا مهمًا في هذا المجال، بينما لا يزال الأردن في مرحلة التشكل، وإن كان يشهد في الآونة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا ومحاولات جادة لدعم هذا التوجه.
الأردن يملك قاعدة واعدة للنهوض بريادة الأعمال الخضراء، لكنه بحاجة ماسة إلى سياسات متكاملة، تمويل مستدام، بنية تحتية متطورة، وبيئة تشريعية تحفّز على الابتكار، إلى جانب شراكة حقيقية بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والجامعات والرياديين أنفسهم، بحسب خبراء.
ويؤكد الخبراء لـ"الأنباط" أن مشاريع الأبنية الخضراء تسهم في تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30%، وتفتح مجالات جديدة للوظائف الصديقة للبيئة.
وشدد الخبراء على وجود تقدم ملفت في مجال الطاقة النظيفة في المملكة، مشيرين إلى تحديات مزمنة لا تزال تؤثر على نمو هذا القطاع، ومن بينها نقص المواد الخضراء محليًا، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وضعف في إدارة النفايات، إضافة إلى تفاوت في الوعي المجتمعي والقدرة على تقبل التقنيات الحديثة.
وفي هذا السياق، أكدت مسؤولة برنامج ريادة الأعمال الخضراء في المعهد العالمي للنمو الأخضر (GGGI)، آلاء النعيمات أن ريادة الأعمال الخضراء في الأردن ما زالت في بداياتها مقارنة ببعض دول المنطقة، لكنها تشهد تطورًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، إذ أن الوعي بالقضايا البيئية يتزايد لدى شريحة واسعة من الشباب، كما أن هناك اهتمامًا لافتًا من مؤسسات المجتمع المدني وعدد من الجهات الدولية.
وأضافت أن التحديات لا تزال قائمة خصوصًا فيما يتعلق بضعف التمويل والدعم اللوجستي ونقص التشريعات التي تتيح للمشاريع الخضراء النمو بشكل سلس ومستدام.
وشددت على أن الأردن رغم هذه التحديات، يمتلك مقومات مهمة يمكن استثمارها، مثل تنوع الموارد الطبيعية وارتفاع نسبة الشباب المتحمسين للعمل في مشاريع ذات أثر بيئي إيجابي، فضلًا عن وجود مبادرات ومؤسسات بدأت تأخذ على عاتقها دعم هذا النوع من الريادة.
وأوضحت النعيمات أن الأردن لا يزال متأخرًا مقارنة بدول مثل الإمارات والمغرب، حيث تبنّت هذه الدول سياسات حكومية داعمة ومحفزة للاستثمار الأخضر بشكل أكثر وضوحًا وفاعلية إلا أنها أكدت أن الطريق ما زال مفتوحًا أمام الأردن للحاق بركب الدول المتقدمة في هذا المجال، إذا ما توفرت بيئة تنظيمية مرنة، وتعاون فعلي بين القطاعين العام والخاص، ووجود أدوات تمويلية مخصصة للمشاريع الخضراء.
وشددت على أن إشراك رواد الأعمال أنفسهم في صياغة السياسات والخطط هو أمر بالغ الأهمية، لأنهم الأقدر على تحديد التحديات الحقيقية من واقع التجربة والميدان.
وأشارت النعيمات إلى أن المعهد العالمي للنمو الأخضر (GGGI)، بالتعاون مع الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA)، يلعب دورًا محوريًا في دعم ريادة الأعمال البيئية في الأردن، وذلك من خلال تنفيذ برامج عملية في كل من عمّان وإربد والمفرق والزرقاء.
ومن أبرز هذه المبادرات برنامج ريادة الأعمال الخضراء الذي يستهدف 660 مستفيدًا من الشباب المهتمين بالمشاريع البيئية، ويقدم لهم التدريب والأدوات اللازمة لتطوير نماذج أعمال مستدامة، إلى جانب برنامج حاضنات الأعمال الخضراء الذي يهدف إلى تحويل الأفكار البيئية إلى مشاريع جاهزة للسوق من خلال الإرشاد والتوجيه، وبرنامج مسرعات الأعمال الذي يركز على دعم الشركات الناشئة في مجالات مثل كفاءة الطاقة، إدارة النفايات، والحفاظ على المياه.
وأكدت أن هذه المبادرات تساهم في بناء منظومة متكاملة تعزز من قدرة الشباب الأردني على دخول سوق الريادة البيئية بثقة وكفاءة.
من جهته، أوضح خبير الهندسة البيئية المهندس عمر شوشان أن الهندسة البيئية تقدم حلولًا مبتكرة في مجالات إدارة المياه، إعادة التدوير، والطاقة المتجددة، وتساعد على تصميم مشاريع تقلل من البصمة البيئية.
ولفت إلى أن مشاريع الأبنية الخضراء، التي تدعمها نقابة المهندسين الأردنيين والمجلس الأردني للأبنية الخضراء، تسهم في تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30%، وتفتح مجالات جديدة للوظائف الصديقة للبيئة، مع الالتزام بالمعايير العالمية التي تجذب المستثمرين المهتمين بالاستدامة.
وعن واقع البنية التحتية البيئية والتقنية في الأردن، أكد شوشان أن المملكة حققت تقدمًا ملموسًا، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، حيث أصبحت تغطي الطاقة الشمسية والرياح أكثر من 25% من احتياجات البلاد.
وأضاف أن هناك تحديات مزمنة لا تزال تؤثر على نمو هذا القطاع، من بينها نقص المواد الخضراء محليًا، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وضعف في إدارة النفايات نتيجة ضغوط سكانية متراكمة، إضافة إلى تفاوت في الوعي المجتمعي والقدرة على تقبل التقنيات الحديثة بسبب كلفتها الأولية المرتفعة.
وأشار شوشان إلى أن الجامعات الأردنية بدأت تلعب دورًا متزايدًا في دعم الحلول البيئية القابلة للتطبيق التجاري، مثل الجامعة الأردنية، الجامعة الألمانية الأردنية، الجامعة الهاشمية وجامعة الحسين التقنية، التي تقدم برامج أكاديمية في الطاقة المتجددة والمياه، في حين تشارك الجمعية العلمية الملكية في أبحاث متقدمة لإدارة الموارد.
ورغم هذا التقدم أشار إلى أن محدودية التمويل وضعف الشراكات مع القطاع الخاص يحدّ من تحويل الأبحاث إلى منتجات قابلة للتسويق، ما يستدعي توسيع دور الحاضنات الجامعية وتعزيز الشراكات التطبيقية.
وفيما يتعلق بوعي الشباب، أكد شوشان أن هناك تحسنًا واضحًا في فهم الجيل الجديد لأهمية دمج الحلول البيئية والهندسية ضمن مشاريعهم، مدفوعين بواقع التحديات البيئية المتصاعدة مثل شح المياه وتغير المناخ، مشيرًا إلى أن مشاريع الزراعة الذكية والطاقة المتجددة وإدارة النفايات بدأت تلقى صدى جيدًا في الأوساط الشبابية.
وحذر من أن العديد من رواد الأعمال لا يزالون يفضلون الربح السريع على الاستثمار طويل الأمد في تقنيات الاستدامة، وهو ما يتطلب جهودًا إضافية في مجال التعليم المتخصص والتوعية، إضافة إلى نماذج أعمال جديدة تجمع بين الجدوى المالية والأثر البيئي.