"الصحفيين" تستذكر شهداء الحقيقة وتدعو لمحاسبة الاحتلال على جرائمه
مركز حماية الصحفيين: جرائم الاحتلال بحق الصحفيين تستدعي اتفاقية دولية
القبلان: حرية الصحافة مسؤولية وطنية واستهداف الإعلاميين جريمة لا تُغتفر
الطماوي: أشعر بالعار من هذا الصمت العالمي
جبر: استهداف الصحفيين في غزة قتلٌ للحقيقة وجريمة حرب موثقة أمام عجز دولي مخزٍ
• رزان السيد
تزامنًا مع احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من أيار من كل عام، ما تزال ظلال الموت تخيم على صحفيي قطاع غزة، حيث تحول هذا اليوم إلى مناسبة للحداد على مئات الصحفيين الذين فقدوا أرواحهم في سبيل نقل المعلومة، وللتنديد بالصمت الدولي حيال استهداف ممنهج لحراس الحقيقة.
منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة في أكتوبر 2023، تشير تقارير مؤسسات دولية مستقلة، أبرزها مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين (CPJ)، إلى استشهاد أكثر من 212 صحفيًا وإعلاميًا فلسطينيًا، غزيًّا، ما يجعل هذه الحرب الأكثر دموية ضد الصحفيين في التاريخ الحديث، فالصحفيون هناك لم يُقتلوا في تبادل نيران أو في صدفة حربية، بل تم استهدافهم وهم يرتدون سترات "PRESS" ويحملون الكاميرا لا السلاح.
وبات جليًا أن آلة القتل الصهيونية حاولت، ومنذ اليوم الأول من هجمتها الشعواء على القطاع، منع إيصال الحقيقة، في محاولة للتكتيم على ما يرتكب من جرائم بحق الفلسطينيين من جهة، ولمنع انتشار ما يتكبده جنود الاحتلال من خسائر من جهة أخرى.
وامتدت هذه المحاولات في منع وصول الحقيقة إلى الأراضي المحتلة في العام 1948، حيث حظر على أي صحفي توثيق أماكن سقوط صواريخ المقاومة، كما تم إغلاق مكاتب الفضائيات بحجة العمل على تأزيم الوضع الداخلي.
واستذكر مجلس نقابة الصحفيين في بيان بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، الصحفيين الذين استُشهدوا في غزة وفلسطين المحتلة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشن حربًا استهدفت "البشر والحجر” منذ أكثر من 18 شهرًا، كاشفًا زيف ادعاءات العالم الغربي ووجهه البشع، وانحيازه الأعمى إلى جانب الجلاد على حساب الضحية، في الوقت الذي يدّعي فيه زورًا وبهتانًا وقوفه مع حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وحيّا المجلس شجاعتهم وبطولاتهم في تغطية ذلك العدوان الهمجي البربري، داعيًا إلى محاسبة الاحتلال على جرائمه، وعدم إفلاته من العقاب.
كما أكّد المجلس أنه سيُعيد إصدار تقرير الحريات الصحفية، الذي توقف منذ 2017، والذي يُشخّص واقع الحريات الصحفية في البلاد، ويُقدّم التوصيات الضرورية لتحسينها، وأثنى على الصحفيين الأردنيين الذين يواصلون أداء رسالتهم في خدمة الوطن والمواطن، بمهنية واحتراف، في كل الظروف والأحوال.
من جهته، نبه مركز حماية وحرية الصحفيين إلى خطورة حرب الإبادة التي تشن على الشعب الفلسطيني في غزة، وكانت سببًا مباشرًا في قتل الاحتلال الإسرائيلي بشكل متعمد، وممنهج لأكثر من 200 صحفي في غزة، في أكبر وأبشع جريمة بحق الصحافة في التاريخ الإنساني، كما طالب الأمم المتحدة بالعمل الجدي على إقرار اتفاقية جديدة لحماية الصحفيين، توفر لهم الحصانات الممنوحة لأصحاب الشارات، خاصة في مناطق الحرب، والنزاع.
ونوه حماية الصحفيين إلى تزايد انتشار الأخبار الزائفة والمضللة، وخطاب الكراهية، ما يؤثر على الثقة في الصحافة المحترفة، مع توسع دور منصات التواصل الاجتماعي، واعتمادها كمصدر للمعلومات، في وقت يتراجع فيه دور وسائل الإعلام، وتتعمق أزماتها المالية، وأصبحت مهددة في الاستمرار، والوجود، ما لم تتحرك الدول لدعمها باعتبارها منابر ترسخ الديمقراطية، وتضمن الوصول لمعلومات موثوقة، وتعزز مشاركة المجتمع في صناعة القرار السياسي.
وفي هذا السياق، أكد رئيس لجنة التوجيه الوطني والإعلام في مجلس النواب الأردني، النائب فراس القبلان
التزام اللجنة الراسخ بدعم حرية الإعلام في الأردن، وتعزيز بيئة إعلامية قائمة على المهنية والمسؤولية واحترام القانون.
كما ثمن القبلان الدور الذي يضطلع به الصحفيون الأردنيون في نقل الحقيقة، ومواجهة التحديات بمهنية ووعي، داعيًا إلى استمرار الحوار البنّاء بين المؤسسات الإعلامية ومؤسسات الدولة، بما يعزز الثقة المتبادلة ويخدم الصالح العام، إضافة إلى تأكيد اللجنة حرصها على مراجعة التشريعات الناظمة للإعلام، ودعم أي توجه يرسخ حرية العمل الصحفي ويحمي العاملين فيه، في إطار من التوازن بين الحرية والمسؤولية.
وأشار إلى أنه لا يمكننا أن نغفل عن الخسائر الجسيمة التي تكبدها الإعلام خلال الفترة الأخيرة، فقد وثقت تقارير دولية مقتل 212 صحفيًا في حرب الكيان الصهيوني على غزة، حيث كان الصحفيون من بين أولئك الذين دفعوا ثمنًا باهظًا بسبب عملهم الإعلامي في نقل الحقيقة للعالم، موضحًا بأن استهداف الصحفيين ليس مجرد جريمة حرب، بل هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرية التعبير.
وأوضح القبلان أن اللجنة البرلمانية تدعو إلى محاسبة الكيان الصهيوني على هذه الجرائم البشعة التي استهدفت حياة الصحفيين، وتهدف إلى تكميم الأفواه وتدمير وسائل الإعلام المستقلة، يجب أن تتم محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية، ونحن في الأردن نلتزم بتقديم الدعم الكامل لكل الجهود الدولية الرامية إلى ملاحقة هذه الجرائم.
كما قدّمت اللجنة شكرها في هذا اليوم إلى كل صحفية وصحفي يعمل بإخلاص في ميادين الكلمة، مجددين العهد بأن تبقى حرية الإعلام أولوية وطنية نعمل على تعزيزها في ظل دولة القانون والمؤسسات، والتزامهم بالمطالبة بمحاكمة كل من يعتدي على الصحفيين في أي مكان في العالم.
من جهته، أوضح الدكتور الصحفي محمد الطماوي، خلال حديثه لـ"الأنباط"، أن ما جرى وما زال يجري في غزة هو استهداف مباشر وممنهج للصحفيين، ليس كأضرار جانبية كما يحاول الاحتلال تسويقه، بل كجزء من استراتيجية الحرب، من يوسف أبو حسين في منزله، إلى الصحفية الشابة هدى قريقع في حضن أسرتها، إلى الصحفيين الذين استهدفوا بطائرات مسيرة أثناء تغطيتهم الميدانية، نجد أنفسنا أمام سلسلة اغتيالات موثقة بالأسماء والمواقع والتوقيت، تؤكد أن الصحافة في غزة لم تكن تغطي الحرب، بل كانت على رأس أهدافها.
وأكد أن الصدمة ليست فقط في الجريمة، بل في رد فعل العالم الذي بدا عاجزًا، صامتًا، بل ومتواطئًا في بعض الأحيان، رغم توثيق هذه الانتهاكات من قبل مؤسسات دولية مرموقة مثل "مراسلون بلا حدود" و"لجنة حماية الصحفيين"، ورغم مناشدات الاتحاد الدولي للصحفيين والمقررين الأمميين، فإننا لم نشهد حتى اليوم أي تحرك فعال لمساءلة الكيان الإسرائيلي على هذه الجرائم، متسائلًا:" أين مجلس الأمن؟ أين المحكمة الجنائية الدولية؟ أين لجنة تقصي الحقائق؟!"، وما هي إلا أسئلة مشروعة تطرحها كل أسرة صحفي شهيد، وكل زميل يبحث عن العدالة في ظلال الصمت.
أما من الناحية القانونية، فقد أشار الطماوي إلى أن القانون الدولي الإنساني وتحديدًا المادة 79 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف يتيح حماية خاصة للصحفيين في مناطق النزاع، كما أن استهداف الصحفيين المدنيين يصنف كجريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي، لكن الإشكال لا يكمن في غياب القانون، بل في غياب الإرادة السياسية لتطبيقه، ما يعني أن الكيان الإسرائيلي محمي بدرع دولي يمنع مساءلته، ويحول الجرائم إلى أرقام، ثم إلى نسيان.
وما نراه في غزة هو إبادة إعلامية -مصطلح قد يبدو صادمًا، لكنه واقعي- عندما تستهدف المؤسسات الإعلامية وتقصف الأبراج التي تضم مكاتب وكالات الأنباء، وتقتل الأسر الكاملة لصحفيين لثنيهم عن العمل، فنحن لسنا أمام مجرد تجاوز للقانون، بل أمام مشروع متكامل لإسكات الرواية الفلسطينية وكسر الروح المعنوية للإعلام المقاوم، بحسب الطماوي.
ووصف الطماوي شعوره قائلًا: "أشعر بالعار من هذا الصمت العالمي، أشعر أن كل ميثاق دولي لحماية الصحفيين لم يكتب إلا بالحبر"، ولم يقصد به إلا الصحفي الذي لا يزعج، أما الصحفي الفلسطيني، فدمه مستباح، وصورته هدف عسكري، واسمه لا يدخل قوائم الشرف العالمية إلا إذا نزعت منه هويته، مؤكدًا بأنها لحظة سقوط أخلاقي كامل لمنظومة الحماية الدولية، التي تتبجح بالمعايير، لكنها تدهسها حين يتعلق الأمر بإسرائيل.
وقال: "في هذا اليوم، لا أملك أن أحتفل بحرية الصحافة، ولا أجد معنى لتقارير التصنيف، ولا أصدق شعارات التضامن، ما لم تكن غزة حاضرة في واجهة القضية"، مضيفًا بأن حرية الصحافة ليست امتيازًا غربيًا، وليست جائزة يتنافس عليها من تُعجبنا تغطيتهم، هي حق للناس جميعًا، وواجب على من ينقل صوتهم أن يحظى بالحماية، لا بالقتل والتنكيل.
وأكد أن العالم لا يحتاج فقط إلى دقيقة صمت على أرواح الشهداء، بل إلى صرخة قانونية، وإعلامية، وشعبية لكسر هذا الحصار عن الحقيقة، ولفرض آليات حقيقية للمساءلة.
أما أستاذة العلوم السياسية، الدكتورة أريج جبر، فرأت أن الحديث عن حرية الصحافة لا يمكن فصله عما جرى في قطاع غزة، حيث تم التعتيم على الحقيقة واستُهدفت الصحافة بشكل ممنهج، حيث أن الحرب الوحشية التي شنّها الاحتلال على القطاع لم تميز بين مدني وصحفي، بل استهدفت الجميع، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يسعون لنقل الحقيقة وتوثيق ما يحدث.
وتابعت أنه في كل مرحلة من مراحل العدوان، كان هناك تركيز واضح على استهداف الصحفيين والمصورين وكل من يحمل كاميرا أو يسعى لنقل الواقع من قلب الحدث، مؤكدة بأن القطاع شهد كمًا هائلًا من الجرائم ومشاهد الموت، حيث ابتكر الاحتلال أساليب متعددة في تنفيذ عقابه الجماعي على المدنيين.
وأشارت جبر خلال حديثها لـ"الأنباط"، إلى أن قطاع غزة كان شاهدًا حيًا على جرائم الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى، على عجز المؤسسات الدولية عن توفير حماية حقيقية للصحفيين، رغم أنهم كانوا يرتدون الزي الصحفي المميز الذي يفترض أن يوفر لهم الحصانة، لكن رغم هذا، فقد تم استهدافهم عمدًا، ولم تجد أصوات الإدانة والشجب الدولية نفعًا أمام حجم المأساة وعدد الضحايا من الصحفيين.
وأوضحت أن الحصيلة كانت غير مسبوقة من حيث عدد الصحفيين الذين سقطوا، ليس بسبب تواجدهم في مناطق الخطر فحسب، بل نتيجة استهداف متعمد، ورغم أن جرائم الاحتلال موثقة من قبل منظمات إنسانية ودولية وتم تقديمها للجهات القضائية الدولية، فإن المحكمة الجنائية الدولية ما زالت عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة تحاسب الجناة وتعاقب الكيان المحتل.
وتابعت جبر أن هناك بالفعل مؤسسات دولية معنية بحرية الصحافة وحقوق الصحفيين، تتابع وتوثق كل محاولات تكميم الأفواه وتقييد الحقيقة، لكن أمام ما يحدث في غزة، تقف هذه المؤسسات عاجزة، بل ومغيبة تمامًا عن الفعل الحقيقي.
وأشارت الى دور الصحفيين في غزة، الذين لم يكتفوا بتوثيق الجرائم، بل شاركوا أيضًا في الجهود الإنسانية إلى جانب الأطباء والمتطوعين، وساهموا في توزيع المساعدات والإغاثة، ومع ذلك، كانوا هدفًا واضحًا للاحتلال، مؤكدة على ضرورة مساءلة المحكمة الجنائية الدولية والمؤسسات المعنية بحرية الصحافة عن دورها الغائب، مؤكدة أن هذه الجهات أصبحت بلا أثر أمام ملف الاحتلال وجرائمه المستمرة.
ونوّهت إلى أن الاستهداف المباشر المقصود بحقّ الصحفيين يُشكّل قتلًا للحقيقة، ويمثّل جريمة حرب، بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية والاعتداء على الصحفيين لا يؤخذ بسياقٍ أحاديّ لمجرّد اعتباره جريمة، بل يدخل في إطار تصنيف أشد انتهاكًا بموجب هذه القواعد المشار إليها.
واختتمت جبر حديثها بأنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار نص قرار مجلس الأمن رقم 2222 القائل بـ"ضرورة حماية الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم الذين يغطون حالات النزاع كمدنيين"، أي غير مشاركين في الحرب ، ويتضمن القرار بضرورة اتخاذ كل الجهود الكفيلة بـ"حماية المعدات والمكاتب والاستوديوهات الإعلامية باعتبارها أصول مدنية وليست أصولًا أو ممتلكات عسكرية"، وبالتالي، يجب ألا تكون هدفًا لهجمات أو أعمال انتقامية وذلك جعله يتعارض مع رحى الموت الدائرة في غزة.
لذا، فاليوم العالمي لحرية الصحافة ليس مجرد احتفال بإنجازات مهنية، بل محطة لتذكّر أولئك الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لنقل الحقيقة، وفي غزة، الحقيقة لا تزال تُكتب تحت الأنقاض، وتحمل توقيعًا بلون الدم .. "هنا كان صحفي".