الفجوة الفكرية بين الأجيال: اختلاف طبيعي أم صراع قيم؟

نبض البلد -

العامري: اختلاف القيم والولايات بين الأجيال أدى إلى فجوة فكرية

خزاعي: التقدم العلمي والتكنولوجي سبب الفجوة الفكرية بين الأجيال

الأنباط - آية شرف الدين

تزامنًا مع التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم، نلمس تغيرات جذرية في الثقافات الاجتماعية بين الأجيال مسببة صراعات في طرق التفكير وأساليب الحياة.

كل جيل يشعر أنه أكثر عقلانية وتحملًا للمسؤولية من سابقه، ما يجعل التفاهم والتعايش بين الأجيال أكثر تعقيدًا وأصبح يشكل تحديًا يتطلب التفكير في حلول جديدة للتواصل والتعاون والعمل المشترك نتيجة تغيرات جوهرية في أسلوب الحياة والرؤية للعالم.

ويرى خبراء اجتماعيون أن التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم خلقت فجوة فكرية بين الأجيال، فالأمر الذي كان يحتاج إنجازه يومًا كاملًا وجهدًا كبيرًا، على سبيل المثال لا الحصر، أصبح الآن يتم من خلال تطبيق ذكي يحتاج معرفة تكنولوجيا وبضع دقائق، بنظر الجيل الجديد، وبنظر الجيل القديم أصبح أمرًا معقدًا بسبب ما يحتاج من معرفة بالتكنولوجيا والإنترنت.

مفهوم الجيل يشير إلى مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون في حقبة زمنية متقاربة، ويتأثرون بنفس الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بحسب أخصائية الصحة النفسية والإصلاح الأسري نور العامري.

وبينت العامري، في حديثها لـ"الأنباط" أن الفاصل الزمني بين الأجيال يتراوح عادة بين 25 إلى 30 عامًا وهي الفترة التي ينتقل فيها الإنسان من الطفولة إلى مرحلة النضج وإنجاب جيل جديد.

وأكدت أن لكل جيل تحدياته الخاصة التي لم يعشها الجيل السابق، ما يجعله يشعر أن معاناته أكبر، موضحة أن التجربة المباشرة تلعب دورًا أساسيًا في تضخيم الشعور بالمعاناة لذلك تختلف كثيرًا عن مجرد السماع أو الدراسة النظرية للتجارب السابقة.

وأشارت إلى فقدان السياق التاريخي، إذ لا يشعر الجيل الجديد بحجم المعاناة الفعلية التي رافقت أحداثًا كبيرة مثل النكبة الفلسطينية أو الحروب المحيطة، بل يتعامل معها كأحداث ماضية بعيدة عن تجربته الشخصية، مشيرة إلى أننا نجد تفاوتًا واضحًا في تفاعل الأفراد مع الأحداث المحيطة مثل الحرب على غزة أو الأزمات العالمية الأخرى، ما يؤكد أن معايشة التجربة ضرورة لفهم حجم المعاناة.

وفي السياق، أشارت العامري إلى ميل الأجداد إلى تذكر اللحظات الجميلة من الماضي ما يعطي انطباعًا بأن حياتهم كانت أبسط وأجمل رغم ما عانوه من صعوبات حقيقية، مؤكدة أن بساطة الحياة سابقًا وغياب التعقيدات التكنولوجية ساهما في رسم صورة مشرقة لذلك الزمن.

وأوضحت العامري أن اختلاف القيم والأولويات بين الأجيال يؤدي إلى هذه النظرة، ففي الوقت الذي كانت فيه القيم الدينية والاجتماعية تحتل مكانة مركزية في حياة الأجيال السابقة نشهد اليوم انتشارًا واسعًا لمفهوم الحرية الشخصية ما أدى إلى تراجع بعض القيم التقليدية بنظر الجيل الأكبر.

وأشارت إلى أن التطور التكنولوجي الهائل أدى إلى المزيد من التعقيد في تفاصيل الحياة اليومية ما جعل التحديات مختلفة وأحيانًا أصعب رغم توافر وسائل الراحة.

وترى العامري أن اختلاف المصطلحات والرموز بين الأجيال ساهمت في تعميق الفجوة الفكرية، ما جعل الجيل الأكبر يشعر أحيانًا بأنه غير قادر على فهم أسلوب تعبير الجيل الجديد ما يخلق شعورًا بالانفصال والاختلاف العميق بين الأجيال.

من جانبه، أوضح أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي أن السبب الجوهري للفجوة الفكرية بين الأجيال يعود إلى التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير إضافة إلى ثورة المعلومات والإنترنت، فالمعارف والخبرات التي كان الأجداد يكتسبونها خلال سنوات طويلة أصبحت متاحة اليوم للأبناء في فترات زمنية قصيرة جدًا عبر الإنترنت.

وأشار خزاعي إلى أن هذا التغير جعل الأبناء والأحفاد يعيشون عوالم مختلفة بعيدًا عن النمط التقليدي الذي لا يزال الكثير من الأهل متمسكين به ما عمق الإحساس بالفجوة الفكرية.

وأكد أن الفجوة طبيعية، بل صحية، طالما بقيت ضمن حدود التواصل الإيجابي، فلكل عصر أدواته وأساليبه الخاصة في التعامل مع التحديات والظروف المختلفة، مضيفًا "نحن أنفسنا كنا نختلف عن أجدادنا في أسلوب اللعب والتنزه والأكل واللباس، وهذا طبيعي نتيجة تطور الحياة".

ولفت إلى أن الفجوة تصبح سلبية عندما تؤدي التكنولوجيا إلى العزلة الاجتماعية وضعف التفاعل الإنساني مثل الاعتماد المفرط على الأجهزة الذكية ووسائل التواصل بدلًا من العلاقات الاجتماعية المباشرة.

وأشار خزاعي إلى أن طرق التربية الحالية لعبت دورًا كبيرًا في تعميق الفجوة، حيث أن الكثير من الأهل اليوم يمنحون أبناءهم حرية مطلقة بدون توجيه أو رقابة كافية، ما أدى إلى تباعد أكبر بين الأجيال.

وبين أن التربية المعاصرة تبتعد عن تحميل الأبناء المسؤولية منذ الصغر بعكس ما كان معمولًا به في السابق حيث كان الأطفال يشاركون في أعمال المنزل والحياة الاجتماعية بشكل أكبر.

وذكر الخزاعي أن الجيل الحالي يتمتع بوفرة كبيرة في الإمكانيات والوسائل مقارنة بما كان متوفر للأجيال السابقة، قائلًا: ما هو متوفر اليوم للأبناء لم يكن يصل حتى إلى 10% مما كان متاحًا لنا في الماضي.