حاتم النعيمات
لنقف وقفة تأمُّل أمام ردّة فعل الكثيرين على "مشروع” قانون الأبنية والأراضي لسنة 2025، فلا يمكن أن تمر هذه الموجة العاتية من سوء الفهم واللغط دون أن نحاول تحليلها، وأنا هنا لست بصدد تسويق المشروع على الإطلاق، والهدف هو قراءة ردّة الفعل الشعبية لا أكثر، وتشريح حركة الحدث من خلال محاولة تظهير من يستفيد من هذا التشريع ومن يتضرر.
بعد أن أقرّت الحكومة مشروع القانون (والإقرار لا يعني النفاذ كما يعتقد البعض)، بدأت حملة قوية ضد القانون من قبل بعض الوكالات الإخبارية والنشطاء والخبراء، وارتفعت وتيرة الحملة بطريقة جنونية، وكان أساس الحملة منسوجًا حول صورة تُظهر "جزءًا” من مواد مشروع القانون، بالأخص المواد التي تركّز على قيم الضريبة فقط، وكل ذلك دون أخذ بقية مواد مشروع القانون التي تُغيّر في القيم بشكل كبير.
على وقع هذه الحملة، تذكّرت ما حدث في 2018 عندما فرضت حكومة الملقي نسبة مرتفعة من ضريبة الدخل على البنوك والشركات الكبرى، حيث نشأت حينها حملة قوية بدأت بنفس الطريقة، ونتج عنها نزول الآلاف إلى الشوارع، وضغطوا إلى أن قدمت الحكومة استقالتها، وقد أكّد الدكتور هاني الملقي نفسه بعد ذلك أن الحركة الاحتجاجية كانت مدفوعة من بعض القوى الاقتصادية ولم تكن حركة عفوية، وكان ذلك في لقاء متلفز بثّته إحدى القنوات المحلية.
نقاش القوانين والتشريعات ظاهرة محمودة وطبيعية، وسوء فهمها طبيعي أيضًا لأن غالبية الناس ليس لديهم خبرة في التشريع والتخطيط، ولكن غير الطبيعي هو أن يستغل خبراء ومؤثرون هذه المساحة من سوء الفهم للتجييش ضد مشروع القانون بشكل يخدم رأس المال. وقد وصل التجييش إلى مطالبات بإسقاط الحكومة، وفي هذا رسالة -على ما يبدو- من رؤوس الأموال الكبيرة لأي حكومة بأن هناك مناطق في الاقتصاد الوطني لا يمكنها الاقتراب منها.
وبالعودة إلى ما حدث في 2018، فقد تبيّن لاحقًا أن من استفاد من إسقاط حكومة الملقي هم ليسوا بالقطع من احتجّوا على قانون الضريبة آنذاك! وتبيّن بعدها أيضًا أن الغالبية العظمى ممن تظاهر واحتج لم تكن من الفئة التي يستهدفها القانون من الأساس.
المدهش أن يعود البعض لممارسة نفس السلوك الذي أدّى إلى مشهد 2018، متبرّعًا بالدفاع عن رؤوس الأموال دون قراءة شاملة لتفاصيل مشروع القانون حتى، لذلك فإن مَن احتج على مشروع القانون كانوا مقسّمين إلى ثلاث فئات: فئة تملك عقارات بقيم مرتفعة، وهذه متضرّرة بشكل مباشر من مشروع القانون لأن جوهر القانون هو دفع الضريبة بناءً على قيمة العقار (من يملك بقيمة أكبر يدفع أكثر)، وفئة مستفيدة من الفئة السابقة مكوّنة من بعض المؤثرين والخبراء، وفئة تحرّكت دون أن تكون معنيّة بشيء، من منطلق عدم الإلمام بالتفاصيل.
مشروع القانون يتبع مذهب الضريبة التصاعدية لأنه مبني على قيمة العقار الإدارية الموجودة في دائرة الأراضي والمساحة، والتصاعدية هنا مبدأ دستوري ويمثل ركن العدالة في التحصيل الضريبي. المشروع أيضًا يسعى لتوحيد عدة ضرائب (المسقفات، والمعارف، وغيرها…) في ضريبة واحدة لتجويد نتائج التحصيل بضبط المعايير. ومصدر هذه المعلومات هو النشرة التوضيحية التي قدّمتها الحكومة لتبرير مشروع القانون، حيث تم في هذه النشرة عقد مقارنة (على شكل أمثلة) بين قيم الضريبة على القانون الحالي وبين قيمها التي ستكون في حال إقرار مشروع القانون، ليتّضح أن هناك حالات يدفع فيها صاحب العقار قيمة أقل على القانون الجديد.
ردّة الفعل المبالغ بها مصدرها ذلك الجزء من رأس المال الذي تعلّم كيفية استغلال الحركة الشعبية ضد الحكومات في كثير من العناوين. ولو كانت هذه الطبقة الرأسمالية تريد مصلحة الناس، لاحتجّت على اقرار ضريبة المبيعات التي لا تميّز بين غني وفقير، لكن هؤلاء غير معنيين بهذه الضريبة فهم يعرفون جيدًا أن ضريبة المبيعات يمكن تخطّيها برفع السعر على المستهلك، لذلك لم يتحرّكوا كما فعلوا ضد قانون ضريبة حكومة الملقي ومشروع قانون الأبنية والأراضي الحالي.
التعامل مع الحملات الإلكترونية والإعلامية أصبح جزءًا مهمًا من إدارة الدول والمؤسسات، ولا يمكن لدولة أن تتغاضى عن أثر هذه الحملات مهما كانت راسخة. وللموضوعية، فالحديث لا يُعمَّم على أي نقاش عام، لأن وجود النقاشات العامة من مظاهر صحّة المجتمعات، لكن الحديث يخصّ تلك الحملات المصطنعة التي يستفيد منها من يريدون هذه البلاد على مقاس مصالحهم.