قمة القاهرة: ثلاثي الإقليم والغرب في مواجهة “الشلل الدولي”… ماذا بعد البيان؟

نبض البلد -

 

خلدون خالد الشقران

 

وسط عجز المجتمع الدولي، وتآكل المبادرات السياسية، جاءت القمة الثلاثية في القاهرة لتقول إن هناك من لا يزال يتحرك. جلالة الملك عبدالله الثاني، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اجتمعوا في لحظة حرجة، حيث يقف العالم على حافة انفجار أوسع في غزة، ويبدو أن "لغة البيانات” وحدها لم تعد تقنع أحداً.

 

لكن، هل تحمل هذه القمة ما يكفي لتغيير المعادلة؟ أم أنها مجرد حلقة جديدة في سلسلة اجتماعات لا توقف النار ولا تُنقذ حياة؟

 

الرسالة الأولى: وقف النار… فوراً

 

البيان الختامي لم يساوم: وقف شامل لإطلاق النار، بلا شروط، وبلا مماطلة. هذه ليست أول مرة تُطرح فيها هذه الدعوة، لكنها تأتي الآن في ظل تحذيرات أممية من أن القطاع دخل مرحلة "المجاعة الشاملة”، وأن الساعات القادمة قد تشهد انهيارًا إنسانيًا كاملاً.

 

التحرك الثلاثي حمل طابع الاستعجال، وكأن الزعماء قرروا وضع ثقلهم السياسي والرمزي على الطاولة، ليس فقط لحفظ ماء وجه المنطقة، بل لمحاولة دفع المجتمع الدولي من حالة "المراقبة الصامتة” إلى موقف أكثر جدية.

 

الرسالة الثانية: لا تهجير، لا اجتثاث، لا إدارة بديلة لغزة

 

إن القمة الثلاثية في القاهرة تأتي في سياق ثابت للمواقف الأردنية الثابتة التي دعا ويدعو إليها جلالة الملك عبد الله الثاني في كافة المحافل الدولية. ومن المؤكد أن الدعوة إلى الحفاظ على سيادة غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية كانت جزءًا من المبادئ التي تروج لها الأردن باستمرار. في هذه القمة، التي من المؤكد أن جلالة الملك جدّد التأكيد على أن الطريق الوحيد للسلام يكمن في حل الدولتين، وأن أي محاولات للتغيير الديموغرافي أو الجغرافي في القطاع مرفوضة بشكل قاطع. و أن أي تسوية يجب أن تضمن قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وهي رؤية تلتزم بها المملكة الأردنية الهاشمية في سياستها الإقليمية والدولية منذ عقود.

 

الرسالة الثالثة: ماكرون يتفقد العريش… وفرنسا تدخل الميدان الإنساني

 

الرئيس الفرنسي لم يكتفِ بالبيانات، بل زار مدينة العريش المصرية وتفقد مستودعات الهلال الأحمر، ومستشفى العريش الدولي الذي يستقبل جرحى غزة. الرسالة واضحة: فرنسا لا تراقب من بعيد، بل تحاول أن تملأ الفراغ الأوروبي الإنساني والسياسي، خاصة في ظل صمت بروكسل.

 

الاتصال مع ترامب… مناورة ذكية أم رسالة لواشنطن؟

 

من أبرز مفاجآت القمة الاتصال الهاتفي الذي أجراه الزعماء الثلاثة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. خطوة غير تقليدية فبحثوا خلاله ضرورة وقف إطلاق النار فوراً وفتح قنوات تفاهم بديلة. الهدف من الاتصال كان إرسال رسالة قوية إلى واشنطن بأن الأزمة في غزة لم تعد مجالاً للمراقبة الصامتة، بل تتطلب تدخلاً فاعلاً وحازماً من الإدارة الأمريكية ،فهل كان هذا الاتصال جسّ نبض لتحركات دبلوماسية مستقبلية، أم رسالة غير مباشرة لإدارة ترامب للضغط على إسرائيل؟

 

هل تنجح القمة؟ بين الرمزية والقدرة على التأثير

 

القمة الثلاثية تمتلك شرعية رمزية وشعبية، وقرباً ميدانياً من الأزمة، لكنها تفتقر – حتى الآن – إلى أدوات الضغط المباشر على الأطراف الفاعلة. نجاح هذا التحرك يرتبط بتوسيعه ليشمل قوى إقليمية ودولية أخرى مثل السعودية وقطر وتركيا، وإلا فإنه سيبقى ضمن دائرة "رد الفعل” دون القدرة على فرض "الفعل”.

 

من القاهرة… هل نبدأ من جديد؟

 

القمة الثلاثية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لن تغيّر قواعد اللعبة وحدها. المطلوب الآن ضغط دبلوماسي دولي موحد، فتح للمعابر، هدنة حقيقية، وضمانات لعدم تكرار السيناريو الدموي مرة أخرى.

 

لكن هل ستنجح هذه القمة في إحداث تحوّل حقيقي في المواقف الدولية تجاه غزة؟ ماذا بعد؟ هل سيتبع ذلك تحرك دولي منسق، أم ستظل المنطقة في حالة شلل سياسي

 

في غزة، لا ينتظر الناس سوى شيء واحد: أن يتوقف القصف، وتبدأ الحياة.