حاتم النعيمات
ضبط المفاهيم مهم لتقليل سوء الفهم، ومن أكثر المفاهيم التي نسمعها بين الحين والآخر مفهوم "معتقل الرأي”، وتحت هذا المفهوم الفضفاض تتكاثر قصص البطولة والنضال واتهام الدولة الأردنية بأنها دولة قمع.
خلال فترة العدوان على غزة، رأينا هجومًا على الموقف الأردني من خلال الهتافات والشعارات والمنشورات التي صدرت من البعض الذي كان يهدف إلى اختطاف واحتكار فكرة التضامن مع غزة ذاتها، وكانت المزاودات تجوب الفضاء العام، مع أن الأردن كان صاحب دور متقدم في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ودعم صموده. وقبل ذلك، وفي سياق عدوى الربيع العربي التي أصابت الأردن، سمعنا الكثير من الافتراءات والقصص المختلقة من العدم.
على الهامش، فمن أكثر العناوين التي تم المتاجرة بها على مستوى العالم هو عنوان حرية التعبير، حيث تعمل تنظيمات سياسية كثيرة على استخدامه كفكرة وردية للحصول على أتباع جدد، أو للتكسب المادي، أو للاحتكاك مع الحكومات في حال ارادت فرض المصلحة العامة.
ليس كل ما يقال يعتبر حرية رأي، فهناك من الكلمات ما قد يزعزع استقرار مجتمع بأسره، فلا يمكن أن يكون تخوين الموقف الأردني رأيًا سياسيًا، لأنه ببساطة شكل من أشكال الشحن المختلق ضد الدولة بتصويرها وكأنها شريكة في العدوان على الأشقاء الفلسطينيين على سبيل المثال لا الحصر، ولا يصح اعتبار الاتهام دون دليل شكلًا من أشكال حرية التعبير، ولا يقبل عاقل اعتبار تأييد الإرهاب شكلًا من أشكال إبداء الرأي المشروع.
في الأردن، هناك قوانين لضبط الفضاء العام كما في معظم الدول، وعندما أقول معظم الدول، فهذا يشمل غرب أوروبا وأمريكا، وهذه القوانين لم تُفرض على الأردنيين فرضًا، بل وافقت عليها البرلمانات المنتخبة، أي أنها تمثل إرادة الأغلبية، وهنا فأمام من ينتقدها خياران لا ثالث لهما: إما أن يقبل بها فهو يعلم أن اقرارها تم باستخدام الحرية التي يطالب بها، أو عليه أن يشكل تيارًا يستطيع أن يصل إلى البرلمان لتغييرها. أما أن تستمر حالة التكسب الشعبوي والمالي من وراء نقد منظومتنا القانونية، فهذا لا يمكن فهمه.
الحرية بمعناها اليوتوبي (المثالي) غير موجودة على المستوى الجمعي، فتداخل مصالح الناس والمجتمعات والحكومات سيقود حتمًا إلى فرض الضوابط والانتقاص من الحرية بهذا المعنى الافتراضي.
الدولة الأردنية وقفت أحيانًا ضد رأي الأغلبية، وتحملت آراءً فيها تحريض وتخوين من أقليات سياسية، ولم تتعسف كما يصوِّر البعض، لا في تشريع القوانين ولا في تنفيذها، لذلك من الخطأ الحديث عن معتقلي رأي في الأردن بهذه البساطة، فأنا أعرف أشخاصًا كانوا متورطين في قضايا جنائية (منها الإرهاب) تم المناداة بهم كمعتقلي رأي، وهبّت لأجلهم الحملات الإلكترونية والمنشورات المتضامنة.
لست في صدد إظهار الأردن وكأنه دولة بلا أخطاء، لكن المبالغات والافتراءات يجب أن يتم تفنيدها وعدم السكوت أمامها. أنت تستطيع أن تقول ما تريد في الأردن إذا كان في سياق النقد البعيد عن الاتهامية وضمن أطر العمل الوطني البعيد عن الارتباطات الخارجية. باختصار، ليس كل ما يقال رأيًا، ولا كل مقاصد الخطابات السياسية وطنية.