نبض البلد - حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
الدماغ البشري هو أحد أعظم الألغاز التي لم يتمكن العلم من فك شفراتها بالكامل. تتكون هذه الآلة البيولوجية الفريدة من مليارات الخلايا العصبية المتصلة بشكل معقد، تولد إشارات كهربائية وكيميائية تعبر عن أفكارنا، عواطفنا، ووعينا. مع تطور الذكاء الاصطناعي الكمي، تلوح في الأفق إمكانية فتح نوافذ جديدة لفهم الدماغ وحتى قراءة الأفكار، وهو ما كان يبدو ضربًا من الخيال العلمي.
الذكاء الاصطناعي الكمي يعتمد على قوة الحوسبة الكمية، التي تتعامل مع كميات هائلة من البيانات بتعقيداتها المتشابكة. الدماغ، بتركيبه المعقد، ينتج إشارات عصبية يمكن قياسها بواسطة أدوات مثل التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) أو التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). التحدي هنا هو تفسير هذه الإشارات وتحليلها بدقة كافية لفهم الأنماط العصبية التي تمثل الأفكار. الذكاء الاصطناعي الكمي يوفر القدرة على معالجة هذه البيانات الضخمة والتشابكية في وقت قياسي، مما يفتح الباب لفهم أعمق للدماغ.
واحدة من أهم الإمكانيات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي الكمي هي تحليل الأنماط العصبية للدماغ وربطها بالمفاهيم الفكرية. كل فكرة أو صورة تمر بعقولنا تُولد نشاطًا عصبيًا يمكن تسجيله على شكل إشارات. باستخدام الحوسبة الكمية، يمكن للنظام تحليل هذه الأنماط وربطها بمفاهيم محددة، مثل الكلمات أو الصور. على سبيل المثال، إذا فكر شخص بكلمة "شجرة"، يمكن للنظام التعرف على الأنماط المرتبطة بهذه الفكرة في دماغه.
إضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي الكمي أن يعزز من دقة فهم العمليات العصبية المعقدة مثل الذاكرة واتخاذ القرار. الحوسبة الكمية تمكن من تحليل الإشارات العصبية المرتبطة بعمليات التفكير العليا، مما يساعد على رسم خريطة واضحة لكيفية تخزين المعلومات واسترجاعها، وكذلك كيفية اختيار الأفعال بناءً على الخيارات المتاحة.
أحد التطبيقات المحتملة لهذه التقنية هو تحسين واجهات الدماغ-الآلة (Brain-Machine Interfaces)، وهي تقنيات تهدف إلى توصيل الدماغ مباشرة بالأجهزة الإلكترونية. الذكاء الاصطناعي الكمي يمكن أن يجعل هذه الواجهات أكثر دقة، مما يسمح للأشخاص بتحكم أفضل في الأجهزة باستخدام أفكارهم فقط. هذا قد يكون له تطبيقات ثورية في مجال إعادة التأهيل الطبي، مثل مساعدة المرضى الذين يعانون من شلل أو إعاقات جسدية.
التحدي الأكبر الذي يواجه الذكاء الاصطناعي الكمي في هذا السياق هو فهم التعقيد الهائل للدماغ. الأفكار ليست مجرد إشارات عصبية بسيطة، بل هي مزيج من النشاط الكهربائي، الكيمياء العصبية، والتفاعلات بين مليارات الخلايا. الحوسبة الكمية، رغم قوتها، تحتاج إلى خوارزميات متقدمة للغاية لتحليل هذا التعقيد وفهم معانيه.
إضافة إلى ذلك، فإن النجاح في قراءة الأفكار يتطلب جمع بيانات دقيقة وشاملة من مجموعة كبيرة من الأشخاص. التباين الكبير بين الأفراد في الأنماط العصبية يجعل من الصعب تطوير نظام عالمي لقراءة الأفكار. مع ذلك، فإن التطور السريع في تقنيات جمع وتحليل البيانات العصبية، بالإضافة إلى قدرات الذكاء الاصطناعي الكمي، يجعل هذا الهدف أكثر قربًا.
رغم هذه التحديات، هناك العديد من الشركات العالمية نجحت فعلا بتطبيق هذه الانظمة ولكن على مستوى محدود ومن التوقع التوسع في هذه المجال وجعله جزء من الانظمة الطبية المتقدمة والتي تخدم الانسان خاصة في مجال الطب النفسي او ربما في مجال الحالات المرضية المتقدمة مثل حالات الغيبوبة او الامراض ذات العلاقة. ربما تستخدم هذه الانظمة في مجالات اخرى تخدم الامن مثل مكافحة الارهاب والجريمة وغيرها ضمن نطاق ضيق يخدم المجتمعات والانسانية.
رغم هذه الإمكانيات المذهلة، فإن فكرة قراءة الأفكار تثير تساؤلات أخلاقية عميقة. هل يمكن أن يُستخدم هذا النوع من التكنولوجيا بشكل غير أخلاقي للتجسس على العقول أو التلاعب بالقرارات؟ هذه الأسئلة تحتاج إجراءات تنظيمية صارمة لضمان استخدام هذه التقنية بشكل مسؤول.
اخيرا، الذكاء الاصطناعي الكمي يحمل وعدًا كبيرًا بفهم الدماغ البشري بطرق غير مسبوقة، وربما قراءة الأفكار يومًا ما. رغم التحديات العلمية والأخلاقية، فإن هذه التقنية تمثل أداة قوية يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي والتطبيقات العملية. قد نكون على أعتاب عصر جديد يصبح فيه الدماغ أقل غموضًا، وأفكارنا أقل عزلة، بفضل تقدم التكنولوجيا الكمية وخوارزميات الذكاء الاصطناعي.