الجفوة بين أوروبا وأمريكا: أين مصالح الأردن؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

 

بدأ التمايز بين الموقف الأمريكي والأوروبي بالظهور على أثر الخلاف حول سلوك الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، فقد كانت أوروبا تقف خلف الشرعية الدولية التي تصف وجود إسرائيل في الضفة بالاحتلال، في حين كانت الولايات المتحدة تغض الطرف عن الاستيطان والانتهاكات هناك وتدعم اليمين الإسرائيلي بشكل أعمى.

 

لاحقًا، جاءت حالة عدم الاستقرار في السياسة الأمريكية بعد وصول ترامب للبيت الأبيض في المرة الأولى عام 2017, فظهرت أمريكا كدولة لا تحترم معاهداتها؛ حيث تراجعت وعادت عن الكثير من الاتفاقيات والتحالفات مثل الاتفاق النووي الإيراني وعضوية الكثير من المؤسسات الأممية والدولية وعن اتفاقيات المناخ وغيرها، وهنا ازدادت الهوّة بين أوروبا وأمريكا.

 

اللقاء العاصف بين زيلينسكي وترامب كان على ما يبدو ضربة قوية زادت من الجفاء في العلاقات الأوروبية الأمريكية؛ فوجهة النظر الأمريكية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية تخدم روسيا وتضر بأوروبا، وأوروبا ترى الملف الأوكراني جزءًا من الأمن القومي لكامل القارة ولا يمكن لروسيا أن تخرج منه منتصرة، وكان المظهر الأهم على تصدع هذه العلاقة هو رد فعل العديد من قادة أوروبا المؤيد لزيلينسكي بعد اللقاء التاريخي في البيت الأبيض، فكانت بريطانيا في مقدمة من دعاه للزيارة حيث تم استقباله كالفاتحين.

 

الأردن التقط مبكرًا أن هناك جفاءً سوف يكون ويتسع بين أوروبا والولايات المتحدة، فتحركت الدبلوماسية الأردنية رأسًا باتجاه الاستفادة من هذا الوضع الغريب والتاريخي، فوُقعت اتفاقية بقيمة ثلاثة مليارات يورو كمشاريع لصالح الأردن على وقع دعوات ترامب لتهجير الفلسطينيين. ناهيك عن تعزيز التعاون في العديد من المجالات، وتوثيق ما كان سابقًا بين القارة الأوروبية والأردن الذي لطالما تحمل نتائج السياسات الغربية في المنطقة.

 

التصور العام هو أن الآلية التي جاءت بترامب قادرة على أن تأتي بغيره وربما بأسوأ منه؛ فهذا التوجه اليميني الصريح لدى الناخب الأمريكي لن يكون عابرًا، لأن العالم اليوم مهووس بالحلول السريعة الخاطفة بسبب شعور الخوف الذي يسيطر على الشعوب بعد جائحة كورونا وبعد الكوارث الاقتصادية والضرائب التي أثرت على جوهر النفعية الفردية التي يعتنقها الأمريكي وأدى ذلك بدوره إلى الاعتناق الفكر الشعبوي الجامع، ولأن الفعل اليساري الأمريكي بدأ فعليًا بمقارعة القيم الدينية الغربية حتى وصل إلى مستوى مخيف في حرية الفرد والانحلال، هذه أسباب تدعونا لاعتبار تقلّب السياسة الخارجية الأمريكية شيء قد يستمر لفترة طويلة.

 

أوروبا اليوم تحتاج فعليًا لمقاومة النظام العالمي الذي ترغب روسيا واليمين الأمريكي فرضه، وعلينا في الأردن أن ندرك أن ما يحدث بين أمريكا وأوروبا ليس سحابة صيف، بل شيء عميق وجوهري، فالأمن القومي الأوروبي على المحك من وجهة نظر الأوروبيين على الأقل، وحالة عدم الاستقرار في السياسة الأمريكية الخارجية ستدفع الكثير من الدول الأخرى نحو المستقر المضمون وهو أوروبا.

 

التغيرات القادمة ستفضي إلى تعدد خياراتنا، وستجعلنا أمام عالم جديد نشهد على تكونه بدور أكبر من ذلك الدور الذي تكون لنا بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي، باختصار لدينا فرصة تاريخية لتواجد أكثر على الساحة الدولية والانتقال إلى مربع الفعل بشكل أكبر رغم إمكانياتنا المحدودة.