موقف الملك والمشهد الإعلامي ...

نبض البلد -

المشهد الإعلامي يفتقد تلك اللمسة الإحترافية سواء على المستوى المحلي او العربي او العالمي، ولقاء جلالة الملك الأخير أكد ذلك الهاشميون هم أهل سياسة ولمن لا يدرك ذلك فليعد بذاكرته قليلا، حيث إستمر حكم الهاشميين من القرن الرابع الهجري لمكة المكرمة، وكان يشمل المدنية المنورة في اوقات مختلفة، هذا معناه ان الحكم الهاشمي للبيت الحرام بدأ مع حكم العباسيين، ثم ظل شبه مستمر إلى إن قامت المملكة العربية السعودية.

هذا النضج السياسي يدركه البعض، ولا يدركه الكثيرون، وطبعا العودة إلى تاريخ الأردن الحديث، تعطي صورة واضحة عن حجم الإنجازات التي حدثت على الأرض الأردنية منذ بدأت هذه الحقبة من التاريخ ولغاية الأن، وكل منصف يستطيع إستقراء ما حدث وما هي التطورات التي حدثت، ويستطيع أن يرى الفرق في السياسة التي يقودها البيت الهاشمي، في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، بما تحويه من تجاذبات وصراعات لم تهدأ.

وطبعا هذا مع التأكيد على المكونات المختلفة والتشكيلة الديموغرافية المختلفة للمجتمع، وهذه ليست خاصة ببلد واحد في المنطقة، فهناك حكم الأقلية وحكم القبيلة وحكم المنطقة، وكل هذه تعتبر نقاط إيجابية ونقاط ساخنة في نفس الوقت، ولكن الطريقة التي يتعامل بها الهاشميون تعطي المملكة بعدا أخر مختلف، وتخلق ترابط مختلفا بين مكونات المجتمع الواحد، وهذا ما يعطي الأردن هذه الصورة المتماسكة والصلبة.
 
البعض للأسف يعيش على الجراح ويتغذي على القيح والدماء، فتجده يبحث في كل مناسبة وظرف عن تلك النقاط التي يشق بها الصف، ويحدث فيها فتنة بين مكونات المجتمع الواحد، هو يظن بذلك أنه سيخلق ظروف تعود عليه بالفائدة، حتى لو من خلال تلك المصائب التي ستحدث، هو يقرأ مصالحه جيدا، ويعرف من أين يدخل حتى يحدث خللا بين الصفوف، ولكنه لم يدرك ولن يدرك حجم الكارثة التي سيتسبب بها، ونذكر هنا أنه كان هناك ضغط عالمي وعربي كبير على نظام الأسد للتراجع قليلا، ولكن العلويون والمكونات المشكلة للنظام الحاكم، والتي هي بصورة ما الدولة العميقة في هذا البلد رفضت التراجع، وهذا ما حدث في تونس وليبيا والعراق ومصر والسودان، ولكن ما هي النتائج.

نجد هنا في هذا الوطن الذي حباه الله بالكثير من الخيرات، ونعم نفتقد الكثير، وهناك معاناة كبيرة في تأمين الكثير من المتطلبات الأساسية، وهناك فئة تصل إلى حدود المعاناة الحقيقية، ولكن هل نستطيع أن نفتح العين الثانية، وننظر بشيء من الإنصاف لما نملكه، وبدل التركيز على السوداوية ونصف الكأس الفارغ، أن ننظر بعين الإنصاف قليلا، لنرى أننا نملك شيئا يستحق أن نحافظ عليه، وننطلق منه لتحقيق ما نصبو إليه.

بدل أن تكون تلك التصرفات والكلمات التي نطلقها سببا في الوصول إلى مناطق لا تحمد عقباها، وندرك بأن ما قامت به السياسة الأردنية كان له دور كبير في أن ينجو هذا الوطن من الكثير من العقبات والفتن والحفر، التي يضعها الإستعمار الصه يون ي من جهة وتساهم بها الظروف والتحديات والأخطاء وبعض الفاسدين من جهة أخرى، وهنا أقرّ بأن لدينا فاسدين، ولكن لدينا وطن يجب ان نحافظ عليه، ويجب أن نحاول بكل السبل إعادته إلى الطريق المستقيم في تلك المسارات التي نرى فيها إنحرافا، وبأن نأخذ بشدة على يد من يريد أن يحدث ثقبا في السفينة حتى لو كان أقرب الناس إلينا.

وفي ظل التجاذب الضخم الذي يجتاح العالم العربي والإسلامي، تجد إنقساما واضحا بين تيارات مختلفة، وهذا يصب قولا واحدا في مصلحة أعداء الأمة، وشق الصف العربي والإسلامي إلى تيارات مختلفة، ولا أذهب بعيدا إذا قلت شق الصف على مستوى الوطن الواحد ، اوعلى مستوى البيت الواحد في أحيان كثيرة، فإين المخرج من هذه الحالة الراهنة.

نعم الهدف يكاد يكون متقارب، فنحن نسعى لعز الأمة ورفعتها ومجدها وعزة دينها وتحرير مقدساتها وثرواتها وقرارها في المجمل طبعا، والخروج بصورة ما بوحدة تحفظ لها ذلك، ولكن لماذا يصر البعض على أن طريق تحقيق ذلك هي بالإنقلاب على كل ما نملك، والعودة إلى نقطة الصفر وربما نقطة قبلها، ومن ثم الإنطلاق من هناك، لماذا إذا كنّا نستطيع ان ننطلق مما لدينا للوصول إلى ذلك المكان.

وهنا لست بدعا من الرسل، وما أقول به هنا قال به الكثيرون، او بالأحرى كاد يجمع عليه الكثير من المفكرين والمصلحين إلا قلة فقط رأت بأن الطريق هو التخلص من كل الموجود، وهنا إصطدمت هذه القلة بالكثير من المفاصل الحرجة، وما زالت تصطدم بالواقع إلى اليوم، وبرأيي كانت سببا في الكثير من المشاكل بدل أن تكون جزءا من الحل، ولو إستطعنا ان نتبع توليفة توحد الأمة، لما تعرضت الأمة لكل هذه الخسائر والمصائب التي تعرضت لها، نتجية هذا الخوف المركب من بعضنا البعض.

ورأينا كيف ان تراجع الملك عبدالله الذكي إلى الموقف العربي ساهم بإيقاف أو تأجيل إو إعادة طرح حلول بديلة من قبل هذه الدولة المارقة ورئيسها المتسلط، ولو كانت كل دولة لوحدها لكان الموقف صعبا على الجميع، ولن يكون في مصلحة الأمة.

هل كان الهجوم الحاد من تلك الفئات التي تجلس متربصة بهذا الوطن هو السبب في التضعضع الذي حدث، هل نفتقد الصلابة في الموقف، والحرفية في الإعلام، والمُخرج المتمرس القادر على التحكم بعناصر المشهد الإعلامي، وإعادة هذه الفئة المارقة إلى جحورها، عبر موقف صلب مدروس وتم إخراجه بحرفية، حتى في طريقة إستقبال الملك، والفعاليات المرافقة لهذا الإستقبال، بدل أن تكون العفوية هي المسيطرة على المشهد.

لقد كانت السياسة الأردنية ممثلة بالملك حفظه الله دائما تسبق الواقع بخطوات متعددة، وهذا ما افقد الموقف الرسمي للمملكة الكثير من القوة، بسبب عدم قدرة الموقف الأعلامي على متابعة ما يقوم به القصر، وأيضا هناك عتب كبير على الحكومة في هذا الجانب، فهي ما زالت تمارس الكثير من القضايا بنفس الطريقة التي لم تعد الشعوب تتقبلها، ولذلك لا بد من المراجعة والمحاسبة للوصول إلى المستوى المطلوب.

حفظ الله الأردن قيادة وشعبا، ونسأل الله أن يحمينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

إبراهيم أبو حويله ...