نبض البلد -
《 بقلم الدكتور محمد طه العطيوي 》
تتجه أنظار العالم إلى واشنطن يوم الثلاثاء 11 شباط 2025، حيث يلتقي جلالة الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأمريكي دونالد ترمب في لحظة فارقة للعلاقات الأردنية-الأمريكية. تأتي هذه الزيارة وسط ضغوط أمريكية مكثفة تهدف إلى إجبار الأردن على القبول بترتيبات تتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة. بالتزامن مع ذلك، تلوّح واشنطن بملف المساعدات الاقتصادية والعسكرية كورقة ضغط على المملكة، وهو ما يجعل هذه الزيارة أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي، بل اختبارًا حقيقيًا لصلابة الموقف الأردني وسيادته.
واشنطن تلوّح بالمساعدات.. والأردن يتمسك بثوابته
لطالما شكّلت المساعدات الأمريكية رافدًا اقتصاديًا مهمًا للأردن، إلا أن إدارة ترمب تسعى اليوم إلى استخدامها كوسيلة ابتزاز سياسي لفرض أجندتها على المملكة. ففي الأشهر الماضية، أوقفت واشنطن أو علّقت بعض المساعدات في رسالة واضحة مفادها أن استمرار الدعم مشروط بتقديم تنازلات جوهرية في الملف الفلسطيني. وعلى رأس هذه التنازلات، ما يُثار عن ضغوط أمريكية لقبول توطين أعداد من الفلسطينيين في الأردن كجزء من ترتيبات إقليمية جديدة.
لكن الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني لم يكن يومًا دولة تُساوم على ثوابتها. فالموقف الأردني ثابت لا يتغير: لا للوطن البديل، ولا لحلول تأتي على حساب سيادة المملكة وهويتها. ولطالما أكّد الملك أن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون ضمن إطار الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وليس من خلال فرض وقائع جديدة تمس الأمن القومي الأردني.
أوروبا تدخل على الخط: دعم بديل في مواجهة الضغوط
بالتزامن مع الضغوط الأمريكية، جاء الدعم الأوروبي كعامل توازن استراتيجي يتيح للأردن خيارات أوسع بعيدًا عن الوصاية الأمريكية. فقد أبرمت عمان خلال الفترة الماضية اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي تتضمن مساعدات مالية وتنموية تهدف إلى دعم الاقتصاد الأردني وتعزيز استقراره. هذه الخطوة لم تكن مجرد دعم مالي، بل رسالة سياسية بأن الأردن ليس وحده، وأن أوروبا ترى فيه شريكًا أساسيًا لأمن واستقرار المنطقة.
هذا التحرك الأوروبي يُضعف من تأثير الضغوط الأمريكية، إذ يمنح الأردن هامشًا أكبر للمناورة ويؤكد أن الخيارات ليست محصورة في واشنطن وحدها. فالأردن، الذي لطالما انتهج سياسة توازن إقليمي ودولي، يدرك أهمية تنويع تحالفاته لضمان استقلالية قراره السياسي والاقتصادي.
زيارة واشنطن: المواجهة الدبلوماسية الكبرى
في هذا السياق، لن يكون لقاء الملك عبدالله الثاني بترمب مجرد اجتماع روتيني، بل مواجهة دبلوماسية على مستوى عالٍ. سيحمل الملك معه رسالة واضحة: الأردن شريك لا تابع، ولن يقبل أي حلول تُفرض عليه بالقوة الاقتصادية أو السياسية. كما سيؤكد أهمية احترام سيادة المملكة وعدم ربط المساعدات بشروط تتعارض مع المصالح الوطنية.
لكن السؤال الأبرز: كيف ستتعامل واشنطن مع هذا الموقف؟ هل ستدرك أن علاقتها مع الأردن يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الحقيقي، أم أنها ستواصل سياسة الضغوط التي قد تدفع الأردن إلى تعزيز شراكاته مع قوى أخرى، مثل أوروبا، وحتى قوى دولية أخرى تبحث عن دور في المنطقة؟
الأردن بين خيارات متعددة
مع دخول الأردن في هذه المرحلة الدقيقة من علاقاته الدولية، يبدو واضحًا أن القيادة الأردنية تمتلك رؤية استراتيجية متكاملة لمواجهة الضغوط، عبر تنويع تحالفاتها وتعزيز استقلال قرارها. وإذا كانت واشنطن تراهن على سياسة العصا والجزرة، فإن عمان تراهن على موقفها التاريخي القائم على الثبات والمبادئ، مدعومة بعلاقاتها الإقليمية والدولية التي توفر لها خيارات أوسع.
يبقى السؤال المطروح: هل ستكون هذه الزيارة نقطة تحوّل في العلاقات الأردنية-الأمريكية، أم أنها ستفتح فصلًا جديدًا من التوتر بين البلدين؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف ذلك.