نحو نموذج اقتصادي مستدام يواكب تحديات العصر

نبض البلد -


وائل البيايضة

في ظل التحولات الاقتصادية العالمية والضغوط الإقليمية، يبرز الأردن كدولة تتمتع بفرص واعدة رغم التحديات. وعلى الرغم من محدودية الموارد الطبيعية، إلا أن المملكة تمتلك إمكانات هائلة تعتمد على الموقع الجغرافي الاستراتيجي، رأس المال البشري الشاب، وبيئة سياسية مستقرة. لذلك، فإن تبني نموذج اقتصادي حديث ومبتكر يمكن أن يكون المفتاح لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة تُعزز من مكانة الأردن على الصعيدين الإقليمي والدولي.

الشباب الأردني هو القلب النابض للاقتصاد الوطني. يتميز الأردن بنسبة عالية من الشباب المتعلم والموهوب، مما يمنحه فرصة ذهبية لاستثمار هذا المورد البشري. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز التعليم المتقدم وربط مخرجاته باحتياجات سوق العمل، إلى جانب تقديم دعم حقيقي للشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة. فريادة الأعمال والابتكار في مجالات التكنولوجيا، والخدمات المالية الرقمية، والطاقة المتجددة يمكن أن يكونوا محركات رئيسية لخلق فرص عمل وتقليل البطالة بين الشباب.

في عصر يتسم بالتغير السريع والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، يجب على الأردن أن يضع الابتكار في صلب استراتيجيته الاقتصادية. تشجيع البحث العلمي، دعم القطاعات القائمة على المعرفة، والاستثمار في التعليم التقني والمهني، يمكن أن يجعل من المملكة مركزًا إقليميًا لتطوير الحلول المبتكرة. على سبيل المثال، يمكن للأردن أن يبرز في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتطوير البرمجيات، مما يعزز من تنافسيته في الأسواق العالمية.

يتمتع الأردن بموقع جغرافي استراتيجي يربطه بين آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، مما يجعله مركزًا مثاليًا للتجارة والخدمات اللوجستية. يمكن للحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص أن تعمل على تحسين البنية التحتية للنقل وتطوير الموانئ والمطارات لتصبح البلاد مركزًا إقليميًا للتجارة. كما يمكن لاتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية والدولية أن تفتح أبوابًا جديدة أمام السلع والخدمات الأردنية، مما يعزز من تدفق الاستثمار الأجنبي ويرفع من مساهمة الصادرات في الناتج المحلي الإجمالي.

التحول إلى نموذج اقتصادي مستدام وشامل يتطلب وضع سياسات تعزز من التكامل بين مختلف القطاعات الاقتصادية. يمكن للأردن تحقيق ذلك من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما سيقلل من فاتورة الطاقة ويوفر حلولًا بيئية مبتكرة. كذلك، يمكن تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال شبكات الأمان الاجتماعي التي تحمي الفئات الأكثر ضعفًا، بالتوازي مع سياسات تقلل من الفجوات الاقتصادية والجغرافية في المملكة.

إلى جانب التكنولوجيا والابتكار، يمثل قطاع السياحة مصدرًا رئيسيًا لدعم الاقتصاد الأردني. بفضل معالمه الفريدة مثل البتراء، البحر الميت، ووادي رم، يمكن للأردن أن يجذب ملايين السياح سنويًا إذا ما تم تحسين البنية التحتية السياحية وتطوير حملات تسويقية فعالة على الصعيد الدولي. تعزيز السياحة المستدامة سيسهم ليس فقط في توفير دخل قومي كبير، بل أيضًا في خلق فرص عمل محلية وتحفيز التنمية الإقليمية.

إن تحويل التحديات إلى فرص هو محور الرؤية الاقتصادية الوطنية الشاملة التي تركز على الابتكار، التعليم، والطاقة المستدامة. الأردن يمتلك جميع المقومات التي تؤهله ليصبح نموذجًا إقليميًا يحتذى به في التنمية الاقتصادية الشاملة. ومع دعم قوي من المجتمع الدولي وتضافر جهود القطاعين العام والخاص، يمكن للأردن أن يبني اقتصادًا قويًا ومتجددًا يلبي طموحاته ويعزز من مكانته كقوة اقتصادية واعدة في المنطقة.