نبض البلد - د. حازم قشوع
يبدوا ان انفصال العلاقة الأنجلو أمريكية فى عمق الدوله العالمي بات وشيكا، وان ظروف استبدال الإمبراطورية الأمريكية لتكون بديلا عن الإمبراطورية البريطانية بات امرا محقق، وسيكون له تبعات كبيرة وبل خطيرة على الحالة الدولية برمتها مع دخول روسيا وأمريكا فى محطه إبرام تفاهمات بالدائره القطبيه تحتوى على هذا المضمون، وهذا ما يتم مع تنامي درجة الانفصال بين (MI6 مخابرات التاج البريطاني والمخابرات) و (الاستخبارات الأمريكية بشقيها من CIA و DIA)، وهى درجة الانفصال التي ستحمل متغيرات عميقة على المشهد السياسي والاقتصادي والنقدي، وهذا ما يمكن مشاهدته حيز الواقع فى ظل سياسة "أكل الرجل المريض" التي تتبعها الولايات المتحدة في بيان التهام تركه التاج البريطاني، حيث ينتظر أن تبدأ أمريكا بالاستحواذ على كندا وغرينلاند، كما ستنتقل لاحقا الى استراليا ونيوزلاندا وكذلك الى هونج كونج وموقع الصين تايبيه في مراحل لاحقة، وهذا ما يجعل من بيت القرار الدولي في حاله تبدل عميقة من الناحية الجيو إستراتيجية كما تحدثت عن هذا سابقا قبل أسابيع.
اعراض الرجل المريض بدأت بالتنامي بالفعل مع ملاحقة الجنائية الدولية للوزير الأول البريطاني، وزيادة الديون البريطانية على الناتج القومي الإجمالي، الأمر الذي يجعل الجنيه الاسترليني مهدد هذا اضافة الى تكوين الثقب الأسود في الاقتصاد البريطاني، والذي سيكلف بريطانيا كما هو مرصود 100 مليار جنيه بالإضافة لمسألة زيادة الكلف مع قرار زيادة المخصصات الدفاعية إلى مستويات بلغت 200% عن العام السابق، نتيجة انفصال الربط الامريكي البريطاني الجيواستراتيجي ليصل الإجمالي الى حوالي 182 مليار.
وهذا ما يعني أن انفصال الرابط العضوى الانجلو امريكي سيجعل من بريطانيا العظمى دولة مفلسه في التقويم الذاتي، وغير قادرة على المناورة فى المحتوى الموضوعي لمواصلة حضورها في بيت القرار الأمني والعسكري، مما أدى الى تقليص دورها فى ميزان الشراكة الحيوية مع الولايات المتحدة حتى وصلت إلى درجة الانفكاك عن الولايات المتحدة التي تريد قيادة العالم من دون شريك، وهو ما يعني بالمحصلة الى امكانية تحويل بريطانيا إلى دولة ليست مركزية بل ومحدودة الهوية ومؤطرة النفوذ.
برنامج ترامب الذي أصبح ثقيلا على الميزان العالمى قبل وصوله لبيت القرار سيجله محط استهداف وعنوان مقاومه نتيجة سياساته التي بدات تنفذ أمنيا، واخذ ظلالها يسقط على بيت القرار إقليميا في ظل درجة التبدل الحاصل في حركة النفوذ بالمنطقة التي يريدها الرئيس المنتخب أن تكون امريكيه صرفه من دون شركاء، حتى يتمكن من فرض هيمنته بشكل أحادي على كامل المنطقة لتسمح له هذه المتغيرات باعادة تقسيم خرائطها السياسية وتبديل أنظمتها بعدما تتم مرحلة خلع أنياب جيوشها، ليتم في ما بعد السيطرة والاستحكام على مواردها الطبيعية والبشرية.
وهو برنامج وان كان يحمل مؤشرات ممكنة للرئيس ترامب نتيجة قوته باعتباره رئيس أكبر دولة نافذة في العالم وصاحب قرارها المطلق في ظل استحواذ الحزب الجمهورى على الكابيتول بشقيه فى الكونجرس والسنت، وهو ما يجعل من دونالد ترامب يكون امبراطور أمريكا، لكن هذه السياسة التي يقف عليها ستشكل للامبراطور ترامب الكثير من الخصوم / الأعداء إبتداء من بريطانيا وحلف الناتو، كما فى عمق بيت القرار الدولي الذى يريد تغير ادواته ومحتواه وليس تقليص نفوذه ومناهجه، هذا لأن درجة التغيير التي يستهدفها دونالد ترامب تستهدف تغيرات جوهرية تطال المنظومة الدولية وأنظمتها، وهى الانظمه التى اصبحت حقيقة من الصعب تجاوزها على كافة المستويات فإن النموذج السوري فى تغيير الأنظمة أجده ليس مقياس كما يتصور البعض بل هى حاله استثنائيه يجب ان لا يقاس عليها.
لكن هذه المعطيات على أهميتها بكل ما تحتويه من متغيرات تجعل من امريكا الدوله الاكثر تاثيرا و الأقوى نفوذا، وهي قادرة على إعادة قيادة العالم من جديد بالتعاون مع روسيا نتيجة تقدم أمريكا في الصناعة المعرفية فى ميزان الاسلحه الاستراتيجيه النوعية كما فى درجة الاستحواذ في الميزان النقدي في عالم الكريبتو، وعلى الرغم من كل ذلك الا ان هذا البرنامج الأحادي الطموح سيتعرض للإقصاء كما سيعرض الولايات المتحدة لحاله عداء غير مسبوقة، سيما وان هذا البرنامج يراد عبره تغيير الواقع الكنسي في المرجع البروتستانتنية كما يراد منه تغير منظومة الكومنويلث وتغير العقلية الامنية في بيت القرار الدولي، هذا اضافة الى "منظومة اصحاب الراى" إضافة لجملة متممه تطال المنظومه الدوليه فى مراكزها الباطنية الأربعة في المجلس كما فى الصندوق والبنك والجمعية، وهذا غير مرئي ومن الصعب قراءة ردات فعله لأنه يمتلك المعلومة أكثر بواسع درايه اكثر من البيت الأبيض، ويمتلك الأدوات التي بمقدورها التأثير على امريكا فى بيان الامن الناعم وليس باستخدام الأدوات الخشنة، وهذا ما يجعل من برنامج ترامب غير معبد ويحتوى على الكثير من المطبات والمنزلقات الهاوية، فان اجراء تحسينات على نظرية بولتون بالاستحواذ لن تجعل من هذه النظرية ممكنة مع احترامي الشديد لما ذهبت إليه نظريات التفسير غير الموزون التى يحويها برنامج رئيس البيت الابيض العائد.
ذلك لان الاصلاح على خطى استراتيجيه اضمن من التغير، كونه يحتوي على تداعيات خطيرة وقد تولد مقاومه عنيفه، وهذا يعتبر من المحظورات الرئيسيه حتى لو تم اتباع استراتيجية التحصين الردعي بتأمين المحيط الموضوعي في المجال الحيوي الامني للولايات المتحده، من خلال السيطرة على جرينلاند وكندا وحتى قناه بنما وخليج امريكا او المكسيك، وذلك مع دخول الجميع فى عصر الجيل الخامس المعرفي ولعل كاليفورنيا وما يحدث فيها خير شاهد على ما قد يفعله ذلك بعد خروج الصين من بيت القرار القطبي ومحاولة تغيير عمق الدولة الأمريكي أليس كذلك !
ان اتباع نظرية الاستشفاء المحدود افضل من الإقصاء الباتر وخير من التهام الرجل المريض الذي قد يشفى نتيجة الغلو جراء الالتهام و سيصعب احتواؤها بعد ذلك، وهذا ينطبق على بريطانيا كما ينطبق على دعم السياسة الامريكية لحاله الاستحواذ الإسرائيلية فى المنطقة التى يتحدث عنها قيصر اسرائيل باعتبارها حرب مقدسة يريد من ورائها توسيع حدوده بضم الضفة الغربية كما كل فلسطين التاريخية، هذا اضافة الى اراض واسعة من سوريا تمكنه للوصول للفرات كما يريد انهاء الوجود العسكرى المصرى فى سيناء فى بحر وصوله للنيل، وهو ما يسعى إليه نتنياهو كونه يعتبر ايضا الأمة العربية بالرجل المريض على الرغم من بيان صفقة وقف إطلاق النار التى ستتم قبل تنصيب دونالد ترامب فى العشرين من الشهر الحالى ضمن الاتفاقات التى تمت مع موسكو بهذا الاتجاه، كونها ستشكل محط فاصل استهلال جديد.