عاجل

أطباء أردنيون يوثقون فظائع جرائم الاحتلال في غزة

نبض البلد -
غزة على شفير هاوية مفهوم الإنسانية

أطباء لـ"الأنباط": غزة سجنٌ كبير يفتقر لأساسيات الحياة

الاحتلال لا يحترم الكوادر الطبية ولا يمكن للعقل تصور الواقع

ما تنقله الفضائيات يختلف عن الواقع ولا يمكن للعقل تصوُّره

الأنباط - كارمن أيمن

إبادة كل شيء وأي شيء هو نهج الاحتلال الصهيوني المحتل في غزة بعد أن أعمل أنيابه بمعنى الحياة لتمسي أثرًا بعد عين في القطاع المنكوب الذي يحصي أيام الشهر السادس عشر من حرب الإبادة الجماعية.
عدة روايات مأسواية وردتنا من القطاع الصامد بدماء أهله في ظلِّ عجز عالمي عن تحريك ساكن فيما نشهده من تجريد للإنسانية، في حين تداعى القطاع الطبي الأردني منذ اللحظة الأولى لمساندة الأهل في القطاع، ليمدنا كل طبيب عائد من أرض العزة بكثير من القصص التي تدمي القلب.
أخصائي التخدير والعناية الحديثة الدكتور محمد عمرو العائد من غزة تحدث لـ"الأنباط" عن الإصابات والبتور التي عاينها، إضافة لفقدان الأطفال لذويهم بمشاهد "قاسية لا يمكن تجاوزها".
"سجنٌ كبير مقطوع من الإمدادات والمساعدات يفتقر لأساسيات الحياة"، هكذا يصف الدكتور عمرو وضع غزة بعد أن قدَّم خدماته الطبّيّة مرتين في القطاع، إحداهما في مستشفى غزَّة الأوروبي والأُخرى في مستشفى ناصر، حيث اتَّخذ النَّازحين المستفشيات ومحيطها ملاجِئًا نتيجة القصف المُدمِّر من قوات الاحتلال الغاشم.
وبين أنَّه لجأ إلى استخدام حقن التخدير الطرفي في الأجزاء العصبية لتخفيف الآلام عن المصابين لدى إجراء العمليات الجراحيّة تزامنًا مع نقص المضادات الحيوية وأبسط مقوِّمات النظافة الصحّيّة، بالإضافة لعدم تمكَّن الأطباء من معرفة المشاكل التي يعاني منها المصابين نظرًا لعدم توفُّر المعدّات اللازمة لفحص الدم، لافتًا إلى أنَّ "النقص كارثيّ"، ما ينعكس سلبًا على صحّة المصابين ويزيد إحتمالية وفاتهم.
وأضاف أنَّ قوّات الاحتلال لم تحترم الكوادر الطبّيّة العربية وحتّى الأجنبيّة، في ظروفٍ من المفترض ألَّا يتم المساس بهم باعتبارهم "خط أحمر"، كونهم يحملونَ رسالةً إنسانيّة بصرف النظر عن طرفي النزاع، متابعًا أنَّ الاحتلال ينظر لكل مِن داخل القطاع بدونية.
ووصف عمرو لحظات خروجه من غزَّة بالصعبة جدًّا، من منطلق أنَّه عائد إلى وطن يتمتَّع بالأمن والآمان في وقتٍ يعاني فيه أفراد القطاع، مشدِّدًا على رغبته المستمرة في العودة للخدمة في غزة، حيثُ قدَّم طلبًا لمعالجة المصابين في غزّة للمرة الثالثة إلَّا أنَّه قوبل بالرفض.
وفي هذا الإطار سلَّطت "الأنباط" الضوء على قصِّة رواها الطبيب الأردني طارق الخطيب كانت أكثرَها تأثيرًا، إذ سعى جاهِدًا لمساعدة طفلٍ يبلغ السابعة من عمره، أدت إصابته لبترٍ في قدميه، وذلك من خلال تركيب أطراف صناعية له ومتابعته باستمرار، بالتعاون مع طبيبٍ نفسي.
هذا الطفل نموذج للكثير من الأطفال الذين يحتاجون رعاية صحية ونفسية، ولا تتوفّر لهم سُبل العلاج خاصّة في ظل محدودية الموارد الطبيّة وتعطيل دخول الموارد التي يقدّمها الأطباء من خارج غزَّة بسبب تعقيدات قوّات الاحتلال.
و بيَّن الخطيب أنَّه عمل لمدة ستة عشر يومًا بعددٍ من مستشفيات قطاع غزة في الحرب القائمة، إذ قدَّم خدماته الطبّيّة المُتَمثِّلة بتأهيل مصابي ما بعد البتور، للحدّ من العوائق التي يمكن أن تنتج عن آليّة استخدام الأطراف الصناعية والتعامل معها حال توفُّرِها، وذلك في مستشفيات غزّة الأوروبي، شهداء الأقصى، ومستشفى ناصر.
وأضاف أنَّه عمل مع الوفد الطبّي الذي تكوَّن من طبيب علاج الآلام، طبيب نفسي، جرَّاح عظام وجرَّاح أورام، على تدريب الكوادر المتطوِّعة من طلبة وخريجي الكليّات الطبيّة، لاستكمال الخدمة المُقدّمة وضمان استمراريتها بعد مغادرة الوفد الطبّي، لاسيَّما في ظل الوضع الراهن وصعوبة تنقّل الكوادر الطبّية الأساسية.
وأكد الخطيب أنَّ مهنة الطب هي رسالة إنسانية يقدِّمون عبرها المساعدة ضمن مجالات الاختصاص، مضيفًا أنَّها جُزء من الواجب الإنساني تجاه أهالي القطاع، على الرغم من إدراكهم لمدى الخطورة والمصاعب التي قد تواجههم خلال تقديمهم للعلاج في غزَّة.
وتابع أنَّ ما يتعرَّض له الغزيِّين من دمارٍ ومجازرٍ وما تصوِّره المحطات التلفزيونية يختلف تمامًا عن الواقع ولا يمكن للعقل تصوُّره، لافتًا إلى أنَّ حالات البتور لدى الأطفال هي أكثر ما تأثر به.
وشدَّد الخطيب على ضرورة حماية المستشفيات والكوادر الطبّيّة بموجب مواثيق حقوق الإنسان واتِّفاقيَّات جنيف وتطبيقها، وتسهيل عملها وتوفير الخدمات اللوجستية من أدوية و مواد طبّيّة.
ولا شكَّ أنَّ الأطباء الذين تطوعوا لعلاج مصابي العدوان في غزة عادوا إلى ديارهم حاملين معهم أكثر من مجرد ذكريات، فصور الدمار والمعاناة، وآلام الضحايا، وصراخ المصابين، كلها مشاهد تُخلّف آثارًا عميقة في النفس البشرية، خاصةً لدى أولئك الذين كرّسوا حياتهم لإنقاذها.
وفي هذا السياق، أوضح الطبيب النفسي أشرف الصالحي أنَّ بعض الأطباء قد يُعانونَ من كوابيس، وذكريات متطفّلة، وشعور دائم بالخطر، وصعوبة في النوم، نتيجةً لمشاهدتهم مشاهد مروعة وتعرضهم لضغط نفسي شديد، فضلاً عن شعورهم بحالة من الإرهاق العاطفي والجسدي، والإحساس باليأس وفقدان الحماس، وذلك نتيجةً العمل لساعاتٍ طويلة في ظروف قاسية.
وأضاف أنَّهم قد يجدون صعوبةً في التواصل مع الآخرين، أو يُفضِّلون العزلة والانفصال عن محيطهم ولفترة غير مُحدَّدة، موصيًّا بضرورة توفير الدعم النفسي للأطباء عبر جلسات علاجية، وبناء شبكة دعم اجتماعي مع الزملاء والعائلة لتقليل الشعور بالوحدة.
كما يَنصح الصالحي بممارسة أنشطة للتخلص من التوتر كالرياضة والتأمل، والاهتمام بنمط حياة صحي يشمل النوم الكافي والتغذية السليمة.