القطاع العام الأردني: كلمة السر في مواجهة الظروف المحيطة

نبض البلد -

حاتم النعيمات

يتوقع محللون وخبراء انفراجة في الوضع الاقتصادي خصوصًا بعد فتح بوابة التصدير من سوريا وعبرها لما في ذلك من انعكاسات على الميزان التجاري للأردن، والمتوقع أيضًا أن ذلك قد يحقق انتعاشًا افتقدناه لأكثر من عقد من الزمان بسبب الأحداث هناك. سوريا، جغرافيًا، هي بوابتنا الاقتصادية إلى أوروبا وتركيا وآسيا.

 

المطلوب اليوم هو الاستمرار في خلق اقتصاد يعتمد على نفسه، وأولى درجات هذا الاعتماد تبدأ من قوة القطاع العام، الذي عانى من أزمات اللجوء والظروف الاقتصادية التي لطالما أثقلت كاهل الأردن. فالقطاع العام يمثل الركيزة الأساسية لعلاقة أي شعب بدولته، ومن دونه (أو في حالة ضعفه) تصبح هذه العلاقة أكثر تعقيدًا.

 

إن المقصود من إنعاش القطاع العام هو أن يصبح على الأقل منافسًا للقطاع الخاص وليس ضدًا له، وخصوصًا في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والنقل، بحيث لا يكون المواطن مجبرًا على اللجوء إلى القطاع الخاص كخيار لا مفر منه عندما يحتاج إلى خدمة معينة. فترك المواطن وحيدًا أمام معادلة الربح والخسارة القاسية التي يعتمدها القطاع الخاص يُعدُّ مصدرًا لحالة عدم الرضا التي تظهر في أي دولة وبين أي شعب.

 

القطاع العام في الأردن جيد، وبصدق، لو كانت أي دولة تعيش ظروف الأردن، لما استمر القطاع العام فيها يعمل كما هو الحال في الأردن اليوم. لكن هذا الصمود يعني أننا نطمح إلى المزيد من التطوير والبناء على المنجزات الحالية. فلا توجد دولة غير نفطية تتحمل ظروف استقبال ملايين اللاجئين الفارين من ويلات الحروب، بنسبة تصل إلى 40%. إنها معجزة باختصار نفتخر بها أمام العالم.

 

المنطقة تتغير بوتيرة متسارعة، وهناك تحركات أردنية مؤخرًا تؤكد فهم الدولة الأردنية لديناميكية هذا التغيير. فزيارة تركيا كانت مؤشرًا واضحًا على هذا الفهم، لكنها ليست الرواية الكاملة؛ إذ إن العمل على الداخل الأردني يظل الفيصل في المعادلة.

 

الحكومة الحالية تمتلك فلسفة تقوية القطاع العام، حيث قام رئيس الحكومة بعشرات الزيارات الميدانية لمشاريع تابعة للقطاع العام. وقد ثمن جلالة الملك هذه التحركات خلال حديثه أثناء ترؤسه لجلسة مجلس الوزراء، مما يعني وجود مباركة ملكية لهذا النهج.

 

القطاع العام في الأردن قطاع عريق، وكان أحد أسباب صمود هذا البلد أمام الكثير من التحديات. وللأسف، هناك من يسعى لتشويهه وإضعافه، ممن يستفيدون من ضعفه لتسويق خدماتهم ومنتجاتهم، خصوصًا في مجالي التعليم والصحة. لذا، فإن من الواجب علينا دعم هذا القطاع والاعتزاز به في مواجهة البروباغندا التي تهدف إلى تقزيمه.

 

المرحلة القادمة في المنطقة ستتسم بفقه الدولة الوطنية أو، بعبارة أخرى، فقه الاعتماد على الذات. فمن الواضح أن التكتلات والتحالفات لن تنجح بسبب الرمال المتحركة التي تسود المنطقة. وأولى درجات الاعتماد على الذات هي وجود قطاع عام قوي، فهذا القطاع يحمل في جوهره معاني عميقة للسيادة الوطنية، ويعزز علاقة المواطن بدولته وأرضه. هذا هو ما نحتاجه في المرحلة القادمة؛ فلا يمكن ترك الأمور لمنظومة السوق والربح والخسارة وحدها. وأقصد هنا أن للقطاع الخاص دورًا لا ينبغي أن يتجاوزه، كما أن للقطاع العام دورًا له أبعاد أعمق مما قد يتصور البعض.