نبض البلد - أحمد الضرابعة
مؤخراً، شنّت القوى المناوئة للنظام السوري هجوماً مفاجئاً على مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية التي خضعت لسيطرته منذ عام 2016، وتمكنت هذه القوى من التقدم بشكل سريع، بعد إخلاء القوات الحكومية مواقعها وانهيار دفاعاتها، وسقوط مراكز نظامية استراتيجية بيدها
فما الذي يجري؟
لا تنفصل التطورات في الساحة السورية عما يجري في الشرق الأوسط منذ أكثر من عام، حيث تهدف الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية إلى تفكيك شبكة نفوذ إيران والوكلاء التابعين لمشروعها، وتعديل موازين القوى الإقليمية بالشكل الذي يمنح إسرائيل أفضلية أمنية في محيطها الذي تُشكّل صورته الحالية تهديداً مستمراً لها. وتُعد سورية إحدى أهم مساحات النفوذ لدى إيران، ومن خلالها، حصلت الأخيرة على مكتسبات استراتيجية، يتراجع نفوذها الإقليمي في حال خسارتها؛ فسورية تعتبر نقطة للربط بين إيران والعراق، ولبنان، وهذا عزز التواصل الجغرافي بين مكونات "محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران وسهّل عمليات تهريب الأسلحة، وأتاح لها التأثير في الصراع العسكري عبر تحويل سورية إلى مسرح عمليات تتبادل فيه الضربات مع إسرائيل، وكسبت من خلاله نقاط قوة عززت مواقفها التفاوضية مع القوى الكبرى.
ومع تزايد الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، والحد من قدرة إيران على التحرك إقليمياً، إلى جانب تسكين حزب الله، وإنهاكه عسكرياً، وانشغاله باستعادة عافيته بعد سريان اتفاق وقف القتال مع إسرائيل، ومع ارتباك القوات الحكومية السورية، يمكن القول إن النظام السوري يواجه انكشافاً استراتيجياً؛ فحلفاءه يعيشون أضعف حالاتهم، باستثناء روسيا، وحدها من قد يمنحه طوق النجاة هذه المرة، ومع تأخر نجدتها إياه، فإن التقدم المتسارع للقوى المناوئة للنظام قد يخلق واقعاً يفرض نفسه، ويشجعها على تحقيق مكاسب ميدانية جديدة، وهو ما قد يضع النظام بين فكي كماشة، إما أن تتم إزاحته، أو أن يُقدم المزيد من التنازلات للحفاظ على أمنه الذاتي وبقاءه.
ومع تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين في سورية، والتنافس على النفوذ والمصالح فيما بينهم، فإن التطورات الأخيرة في حلب تمثّل نقطة التقاء مصالح كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وتركيا، حيث ستسعى كل منها لاستغلال ما يجري لتحقيق مصالحها، والتي تشمل: تقليص نفوذ إيران ووكلائها، إضافة إلى منع تهريب الأسلحة إلى حزب الله عبر الحدود السورية، وتعزيز نفوذ تركيا الإقليمي ومنع التمدد الكردي.
إن ما يجري في حلب، يتجاوز الحدود الوطنية السورية من حيث الدوافع والنتائج، وهو يعكس صراعاً أوسع بين القوى الإقليمية والدولية، ويتضح أن هناك إرادة مشتركة بين بعض القوى التي تقاطعت مصالحها، لأن التحرك الفصائلي الناجح على الأرض، غالباً يكون نتاج تخطيط ودعم استخباري من دول تراقب من الأعلى. ستحدد معركة حلب مستقبل نفوذ إيران، وإن استمرت القوى المناوئة للنظام بالتقدم، يجب التفكير بشأن كيفية ملء الفراغ الذي سينتج عن سقوط النظام السوري؛ فهذا احتمال قائم لا يمكن استبعاده.