إبراهيم أبو حويله يكتب :فسحة ...

نبض البلد -

كل واحد منّا يحتاج إلى فسحة في حياته حتى يستطيع مواجهة ظروف الحياة ، ولا بد من إبتسامة أو غفوة حتى وصوت الرصاص يعلن عن قرب نهاية الحياة ، أو هو مجرد نذير بأن الحياة ما هي إلا رحلة ونحن ركاب مرحلة ما نلبث أن نترجل .

وأقف مع ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) نعم عندما تغشاك تلك المشاعر تنسيك للحظات ما حلّ وما سيحلّ بك ، وبل وتعطيك قوة وقدرة وصبرا ، وتفتح بابا جديدا من القدرة والإجتهاد والعمل ، فيعود الإنسان وقد تغيرت تلك النفسية المتعبة المتهالكة وحلت مكانها نفسية جديدة تماما ، وكأن إنسان ذهب وجاء مكانه إنسان أخر ، وما أحوجنا في معاركنا الحياتية والحربية والنفسية إلى تلك الفسحة .

ولكن البعض منبت مع جسده منبت مع الأخر منبت مع المجتمع ، منبت مع النفس ، ومنبت مع التائب ، ومنبت مع المتكاسل. يريد أن يحمل الناس حملا ويأطرهم أطرا حتى يصل بهم إلى الهدف الذي وضعه في رأسه ، وكأني به لم يسمع الحديث الشريف إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، يا هذا إن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق .

وهل كانت الحياة يوما إلا معارك تدور راحها على أرض الحياة وفي عرصات النفس ، وفي ساحات الفكر ، ويصدق ذلك كله أو يكذبه ساحات الوغى ومواقف الصدق .

فكم من مدعي البطولة ، وهو في البيداء ما جرب نفسه ، وهو دونكيشوت عربي ، وكم من يعلو صوته ويزمجر حتى يصم الآذان صياحه وهو لا يحدث أثرا ولا يصنع فعلا ، وكم وكم وكم فيا هذا تمهل علينا ، فوالله ما نحن ندير حربا هنا ولا نصنع معجزات ولا نحفر أنفاقا ولا ندمر دبابة ولا نصنع ياسينا ، وكلنا يراقب بلسان حاله ، ويزمجر بلسان مقاله ويعلو صوته وما هو في الحقيقة إلا قعقعة لا تطحن قمحا .

لا تطلب من الأخر ما لا تفعله ولا تعيب على الأخر ما تقوم به ، فما قام به هؤلاء الشباب لا يعد فحشا ولا حراما ولا يصل إلى مكروه ، وما هي إلا فسحة فكل مخلص منّا يبحث عن طريقة ينصر بها إخوانه ، وكل حزين منّا يبحث عن كلمة يبث بها شجنه ، وما نسينا ولا تناسينا ، وكل قلوبنا ألم وأمل وإيمان بأن يكون القادم أجمل ، وإن يحدث الله بعد عسر يسرا .

وكل واحد منّا يحتاج إلى هذه الفسحة حتى يعيد شحن نفسه وفكره وجسده ، ويجد طريقة غير الدعاء والمقاطعة وبعض المال ينصر بها إخوانه ، ويعينهم على ما هم فيه ، فإنظر بين يديك وحاسب نفسك ولم نفسك على تقصيرك ودعك من غيرك .

لا تلم عليهم إلا بقدر ما تلوم به على نفسك ، ولا تكلفهم إلا ما كلفت به نفسك ، وكفى بالمرء إثما أن يظن في الإخرين سوء .