نبض البلد -
خلافا لما يظن البعض، فشهر رمضان هو شهر الأيام الذهبية للعبادة مثلما هو شهر الساعة الرياضية الذهبية التي يؤكد المختصون أنها ذات فائدة كبيرة على المستوى الصحي والنفسي حيث يكسر الصائمون رتابة يومهم في آخر ساعتين قبل الافطار بممارسة رياضات جماعية، مستغلين إحدى أهم الساعات الزمنية في السنة.
فعلى مدى 20 يوما مرت من شهر رمضان المبارك رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عدد من الصائمين الباحثين عن حرق السعرات الحرارية وتفريغ الطاقات السلبية قبل الإفطار بساعة أو ساعتين.
ولاحظت معدة التحقيق زيادة أعداد ممارسي النشاط الرياضي في شهر رمضان خاصة في الأماكن العامة، وقبل موعد الإفطار، الأمر الذي يوضح الوعي المتزايد بأهمية الساعة الذهبية حيث تنتظم أعداد كبيرة من الناس في رياضات المشي الجماعي وركوب الدراجات الهوائية قبل الإفطار وبعده، ما يعد ظاهرة صحية تضفي مزيدا من القناعة بأهمية الرياضة في حياة البشر.
والساعة الذهبية وفق مراجع صحية لا تعادلها أية ساعة، ذلك أن ما يحرقه الجسم في الرياضة خلال هذه الساعة، استنادا لدراسات متخصصة، يعادل أربعة أضعاف ما يحرقه الجسم قبل شهر الصوم وبعده، وينطوي الأمر على فوائد صحية نفسية وجسدية كبيرة.
وتعتبر البدانة من عوامل الخطورة الهامة للإصابة بالأمراض المزمنة كأمراض القلب، والسكري، وارتفاع ضغط الدم وبعض أنواع السرطان، ومع الزيادة المطردة في سوء النظام الغذائي ونمط المعيشة وقلة النشاط البدني، ارتفع عدد المصابين بالبدانة بشكل ملحوظ في الأردن، بحسب دراسة مسحية وطنية عام 2020.
يقول مؤسس مبادرة "المشي دون توقف" محمود أبو داري، ان مبادرته التي أطلقت منذ 15 عاما، تسعى الى نشر التوعية بأهمية الرياضة وتحفيز الناس على ممارستها، مشيرا الى أنهم يعدون خلال شهر رمضان برنامجا رياضيا قبل الإفطار وبعده، وبما يعادل ثلاثة مسارات في الأسبوع، يعادل المسار الواحد ساعة ونصف الساعة من المشي بهدف رفع الجهد ما أمكن لضمان حرق الدهون بشكل متواصل.
وينصح الأطباء المشرفون على المسارات بأن يكون لدى ممارسي الرياضة برنامج غذائي معتدل للمحافظة على لياقة الجسم، بحسب ابو داري، موضحا أن من شأن ممارسة الرياضة سواء قبل الإفطار أو بعده، حرق السعرات الحرارية والدهون، وتخفيف التوتر والإجهاد وتحسين الدورة الدموية وعمليات الهضم.
ويلفت ابو داري إلى قيام المبادرة بإعداد برنامج خاص لكبار السن مرتين بالأسبوع قبل ساعة الافطار، وذلك لعدم قدرتهم على السير ليلا، فضلا عن إعطائهم برنامجا غذائيا معتدلا بعد المشي.
ويقول استشاري طب الأسرة في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور عثمان بني يونس، انه مثلما يحتاج الإنسان إلى الطعام والشراب، والهواء والشمس، يحتاج أيضا إلى ممارسة النشاط البدني والحركة، وكما يقولون الجسم: "إما أن تستعمله أو تخسره"، فجسم الإنسان: عضلاته وعظامه، وسائر أجهزته، بما فيها دماغه وذاكرته، إن لم تستخدم تضمر وتضمحل.
ويضيف، ان وسائل الراحة والرفاهية لم تدع مجالا للإنسان للحركة كما كان سابقا، فبعض الناس يركب السيارة للذهاب إلى بقالة أو متجر لا يبعد إلا أمتارا قليلة، بينما يستخدم آخرون المصعد أو الدرج الكهربائي للصعود إلى طابق واحد أو طابقين رغم أنهم لا يعانون أمراضا.
ويبين أن كل ذلك أدى ذلك إلى تعرض الإنسان لمشكلات صحية جمة، كزيادة الوزن والسمنة ومن ثم الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسكري والكولسترول والتهاب المفاصل وغيرها.
ويؤكد أن الرياضة والنشاط البدني إما أن تعالج او تخفف من وطأة أمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول، ومتلازمة التمثيل الغذائي، ومرض السكري النوع الثاني، والاكتئاب، والقلق والتهاب المفاصل وغيرها من الأمراض.
ويشير الى أن الرياضة تسهم في إنقاص الوزن والتخلص من السمنة المفرطة، وتزود الجسم بمزيد من الطاقة للتعامل مع الأعمال اليومية، وتحسن من الحالة المزاجية وتعزز النوم بشكل أفضل.
وأشار إلى أنه لا زالت ممارسة الرياضة والنشاط البدني في المجتمع الأردني قليلة، إذ إن كثيرا من الدراسات العلمية تتحدث عن عزوف الأردنيين عن ممارسة الرياضة لأسباب عدة، ويبدو أن الناس لم تقتنع بعد بأهميتها، أو ربما لأنه لا تتوفر الإمكانيات أو الأماكن أو الوقت للقيام بها.
ويشدد على أن الرياضة وممارسة النشاط البدني ضروري حتى للصائمين، والحقيقة أن الصباح الباكر أو بعد الإفطار هو الوقت المثالي لممارسة الرياضة لأن الجسم لا يزال لدية الطاقة الكافية لذلك.
وينصح بممارسة التمارين الهوائية المتوسطة: مثل المشي السريع او ركوب الدراجات الهوائية أو السباحة والعمل في حديقة المنزل بمعدل نصف ساعة يوميا، او 150 دقيقة أسبوعيا، مع مراعاة المحافظة على مستوى التمارين والابتعاد عن التمارين المرهقة كالجري السريع وأعمال البستنة الشاقة وغيرها، مع تناول القدر الكافي من الماء لمنع الجفاف بمقدار لترين إلى ثلاثة والتركيز على أهمية الإحماء لمدة 5 دقائق قبل الشروع بالتمرين.
ولمن يريدون إنقاص الوزن تحديدا يمكن لهم ممارسة الرياضة أثناء الصيام خلال ما يسمى بالساعة الذهبية، وذلك بالمشي السريع لساعة كاملة قبل موعد الإفطار بساعتين حيث أن لذلك تأثيرا واضحا على تخفيف الوزن ورشاقة الجسم، وحرق الدهون بدرجة اكبر، لكن بشرط أن يتمتع الإنسان بصحة جيدة وان لا يكون من الفئات الأشد اختطارا والممنوعة أصلا من ممارسة الرياضة خلال الصيام، بحسب بني يونس.
ويحذر بني يونس، مرضى القلب وهبوط القلب ونقص التروية واعتلال عضلة او صمامات القلب، ومرضى السكري وفقر الدم والمصابون بالتهابات جرثومية حادة كالتهاب الرئة ومرضى الربو وكبار السن من ممارسة الرياضة أثناء الصيام.
وتعتبر الأستاذ المشارك في قسم التغذية والتصنيع الغذائي كلية الزراعة الجامعة الأردنية الدكتورة هديل علي غزاوي شهر رمضان فرصة مثالية لإنقاص الوزن الزائد وتقليل الكتلة الدهنية في الجسم.
وتركز الغزاوي وهي رئيسة نادي البحث العلمي الطلابي التغذوي، على أن إنقاص الوزن وبناء الكتلة العضلية بحاجة إلى اتباع حمية غذائية صحية وبرنامج رياضي جنبا إلى جنب لتحقيق أكبر فائدة والوصول للهدف المراد تحقيقه.
وتشير إلى أن للساعة الذهبية مواعيد تختلف من شخص لآخر تعتمد على وقت الاستيقاظ وجودة وجبة السحور، فمن يستيقظ في ساعات متأخرة من النهار وقد تناول وجبة سحور صحية كاملة تكون ساعته الذهبية قبل موعد الإفطار بساعتين، أما من يستيقظ في ساعات الصباح الباكر ويتخطى وجبة السحور تكون ساعته الذهبية قبيل الإفطار بـ 45- 60 دقيقة وذلك للحفاظ على توازن الجسم وتجنبا للهبوط الحاد في سكر الدم وأيضا لعدم خسارة الكتلة العضلية.
وتقول، على عكس الرياضيين الذين يطمحون للمحافظة على الكتلة العضلية أو بنائها خلال شهر رمضان يكون موعد الرياضة المناسب لهم مغايرا، إذ تكون العضلات التي تعتبر مخزنا للسكر الغلايكوجين قد استنفدت خلال ساعات الصيام، وعليه ملؤها لتجنب خسارة العضلات خلال التمرين، لذا يكون موعد رياضة المقاومة الخاص بهم بعد الإفطار بثلاث إلى أربع ساعات حيث تكون وجبة الإفطار تم هضم معظمها وتكون العضلات امتلأت بالسكر (الغلايكوجين) ما يجعل الجسم مستعدا لتقديم أفضل أداء في رياضة المقاومة وبناء العضل.
ولمواكبة التغيرات الفسيولوجية خلال شهر رمضان وتقديم أفضل أداء رياضي، خاصة للساعة الذهبية، تدعو غزاوي الى اتباع نظام غذائي متوازن في رمضان، مشيرة إلى أهمية أن تحتوي الوجبات على الكربوهيدرات المعقدة، والفواكه والخضار لاحتوائها على الألياف النباتية التي تطيل فترة إفراغ المعدة، اضافة لمصادر البروتين كاللبن والبيض والجبنة غير المصنعة.
وتكمن أهمية البروتين في قلة سرعة هضمه بالتالي شعور لمدة أطول بالشبع كما الحال مع الدهون الصحية كزيت الزيتون، والمكسرات غير المملحة، والأفوكادو، كما يجب تجنب الأطعمة المصنعة والمخللات والزيوت المهدرجة والمتحولة للمحافظة على صحتك وتجنب الشعور بالعطش، بحسب غزاوي.
وتوضح انه بعد تمارين الساعة الذهبية ضمن شهر رمضان يأتي موعد الوجبة الثانية وهي وجبة الإفطار، وهنا تنصح غزاوي بكسر الصيام بثلاث حبات تمر صغيرة أو حبة كبيرة لرفع سكر الدم مع مصدر للسوائل مثل كوب من الماء، وأن تكون وجبة الإفطار متكاملة العناصر من الكربوهيدات والبروتينات والدهون، كما يجب أن تحتوي على مصادر للألياف الغذائية كالسلطة والتبولة والفتوش، لتحسين عملية الهضم وتجنب الإمساك، ومصدر للبروتين وهي الدجاج واللحوم والأسماك لبناء الخلايا العضلية.
وتقول "انه ينصح بتناول وجبات صغيرة بين وجبة الإفطار والسحور، على ألا تتعدى احتياجات الشخص من السعرات الحرارية، كما يجب الحذر من احتمالية حدوث جفاف في الجسم ويجب تعويض هذا النقص بشرب 8-6 أكواب مياه خلال ساعات الإفطار، وتجنب المشروبات الغازية والمنبهات مثل القهوة ومشروبات الطاقة، قدر الإمكان".
ويعرف الأستاذ الدكتور زياد ارميلي من كلية علوم الرياضة في الجامعة الاردنية المتخصص بعلوم الرياضة والصحة، الساعة الذهبية، بأنها الساعة التي يمارس بها الشخص النشاط البدني قبل ساعة أو ساعتين من موعد الإفطار، وسميت بالساعة الذهبية نظرا لأهميتها في خسارة الدهون، وقدر العلماء أهميتها بأربعة أضعاف ممارسة النشاط الرياضي في الوضع الطبيعي، أي بغير صيام.
وتكمن أهمية ممارسة النشاط الرياضي في هذا الوقت، في استفادة الجسم وأجهزته من تأثيرات النشاط الرياضي الإيجابية عليها، وتحديدا الجهاز القلبي الوعائي وضخه للدم، وكذلك الجهاز التنفسي، إضافة إلى الجهاز العضلي والهيكلي إذ ان أجهزة الجسم المختلفة تستفيد من ممارسة النشاط الرياضي بشكل عام أثناء الصيام وتحديدا قبل الإفطار بساعة أو ساعتين، وأيضا من خلال ممارسة النشاط الرياضي دون صيام، بحسب ارميلي.
ويلفت إلى ان ممارسة الرياضة في هذا التوقيت تجنب الشخص الخمول والإرهاق، وتزيد من هرمونات السعادة في الجسم، مثل هرمون السيروتونين وهرمون الدوبامين، ما يؤدي إلى تحسين الحالة النفسية.
أما عن أنواع الرياضات التي يفضل ممارستها في الساعة الذهبية،
ويشير الى أن أفضل أنواع الرياضات في الساعة الذهبية هي الرياضات منخفضة الشدة كرياضة المشي أو ركوب الدراجات وأن تكون بسرعات بطيئة ومتوسطة ولفترات تمتد الى ساعة فأكثر.
وأكد أن جميع الأشخاص معنيون بممارسة النشاط الرياضي أثناء الصيام وتحديدا قبل الإفطار بساعتين، باستثناء بعض المرضى الذين لا يستطيعون ممارسة النشاط الرياضي مثل المصابين بأمراض السكري النوع الأول وأمراض القلب المزمنة، فهؤلاء الأشخاص عليهم مراجعة الطبيب المختص للفصل بإمكان ممارستهم النشاط الرياضي أم لا.