د.أنور الخُفّش يكتب : تَساؤُلات حَول مُستقبل النِظام العالمي ؟

نبض البلد -

د.أنور الخُفّش

نَبدأ ، بحثاً عن صورة جديدة للجُغرافيا السياسية ، وإدارة وتَشكيل التحالُفات الدولية والإقليمية ، والأهم هو إعتراف أمريكا والغرب إنتهاء عصر العولمة ، وإعلان فَشَل تَحالُف الليبرالية ورأس المال ، في ظِل النظام العالمي الليبرالي الذي تَم التَوافُق عليه ما بعد الحرب الباردة ، حالياً تَكشّفت حقيقة الإعتراف بِفَشله تَظهر بوضوح في المناقشات الجارية حول تحديث النظام الدولي الجديد والأرسخ تقارباً وسِلمية في مجالات التعاون الدولي وإشاعة السّلم العالمي . كما تُواجِه الديموقراطيات الليبرالية حالة مِن التَأزُم من حيث الممارسات وفق استطلاعات الرأي وقياس الأثر ، كذلك تُواجه حالة الفشل من حيث القيم والغايات المنشودة ، مما انعكس على صورة الفشل الذريع في تحقيق السلام الدولي والداخلي لبعض الدول ، وكذلك شَهِدنا التعاون الإقليمي الأمني والإقتصادي في مستويات حرجة وإتساع الفجوة بدلاً مِن التَقارب بين الدول . وأصبحت الحاجة داخل الدُول الرخوة وما تُعرف بِدُول الأطراف ، الإستقرار السياسي يَتَطلّب البحث عن عَقد إجتماعي جديد بِهدف إيجاد وإدامة نظام شرعي بغالبية من الحاضنة الشعبية يَكون حَلّاً وإستجابة لشروط ومعايير في مجالات الإقتصاد والأمن الإجتماعي وصِيانه الحُقوق الإنسانية والعدالة وتَوفير مُتطلبات العيش الكريم ، لا نُغفِل أهميه شرط الحَوكمة والإدارة الراشدة والإنضباطية المؤساستية و إستقلالية سلطة إنفاذ القانون .

‏هل نستدرك الحديث عن العولمة بمدخل تاريخي . وتساؤلات عن قيم العولمة الإقتصادية ومَن يُدير العولمة ؟ وما هو مناخ العولمة وأسبابها الحقيقية . وِفقاً لأي متطلبات وأهداف جاءت العولمة ! وهل العولمة نِظام عالمي جديد . إن العولمة ليست صيغة جغرافية . بل صيغة سياسية ، تُحاول أن تجمع مَصالح وإتجاهات الكون في إطار سياسي وإقتصادي واحد مُؤداه فُقدان الهويّة القومية والسيادة الوطنية نحو السيطرة الإقتصادية والسياسية المُنظمة ، وهي مُرتكز إنشاء دولة كونية ذات سيادة ‏عالمية وحارس باب العولمة أمريكا ، كما أن مرتكزات وأدوات العولمة هي مُنظمات ذات ‏شرعية وسيادة دولية تَغلِب إرادتها على القوانيين المحلية وهي: (منظمة التجارة العالمية ، صندوق النقد الدولي. البنك الدولي) . وَضع حَجَر أساس العولمة في الأربعينات بمبادرة وبقيادة أمريكية . خير دليل على ذلك بيان وزارة الخارجية الأمريكية الذي أعلن في يناير عام 1946م والذي مَفادُه بأن وزارة الخارجية عازمة أن تَفعل كُل ما في وِسعها كافة الإتجاهات السياسية والدبلوماسية بهدف إزالة الحواجز التي تَعيق تَوسُع وِكالات الأنباء والصُحف وكافّة وسانل الإعلام والإتصال الأمريكية عبر العالم بأسره ، كما تم تحديد أهم الأهداف في ذلك البيان بأن حرية تَدفُق المعلومات جزء هام من السياسية الخارجية الأمريكية حيث أشارت الايكونوميست "عام 1944 ‏م بأن الموارِد الضخمة التي تملِكها وتتحكّم بها الوكالات الأمريكية تُمكّنها من السيطرة على العالم . كما أنه هُناك إرتباط وثيق بين سياسة أمريكا حول حريّة إنسياب ‏المعلومات بحركة التجارة وبدأت الشركات متعددة الجنسيات بإحتلال دورها بتدعيم هذه السياسة ، مِن هُنا نستطيع القول أن أمريكا استخدمت في منتصف هذا القرن الإعلام والإقتصاد في خدمة سياساتها الخارجية كَسِتار يهدف الى أمركة النظام العالمي وإعادة ترتيبه وفقاً لمُتطلبات النموذج الأمريكي وعودة الإمتيازات الأجنبية على صورة الإستثمار الخارجي المباشر .

‏أما فيما يتعلق بقيم العولمة ، اليوم ونحن في بداية الألفية الثالثة نَعتَرف بأن السياسة ‏الإعلامية الأمريكية أدخلت مفاهيم ثقافية على العالم ليست ذات صلة بحياة ‏ومُتطلبات عموم الناس في دُول العالم الثالث من المناحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية . حيثُ أن الحفاظ على السيادة الوطنية المكتسبات والثروات القومية يتناقض مع مفاهيم العولمة وحرية تداول المعلومات والمصالح الأمريكية . بذلك فإن المُتفحِّص للخِطاب الأمريكي يَلمِس التناقض والفجوة الشاسعة بين ثقافة العولمة وقِيَمها ونِتاجها الإقتصادي والإجتماعي على المجتمع وعُموم الناس في دول العالم الثالث ودول الجَنوب عُموماً مُتطلبات وشروط هذه الفئة بهدف تحقيق التنمية .

‏دعونا نتفق أنه مع زيادة نَفاذ العولمة تزيد فرصة التحكُّم بالثروات مِن قِبل أمريكا وبعض الدول الصناعية المتقدمة وكذلك تتّسع الفوارق بين دول الشمال والجنوب . من المعروف أنه 20%من دول العالم تُسيطر وتمتلك 85 ‏% من إجمالي الناتج العالمي . وعلى نسبة مقاربة من التِجارة العالمية وتَتَحكم بنفس النسبة من المُدّخرات العالمية . كما أن دور دول الجنوب لا يتجاوز تنفيذ سياسات مُديروا النظام العالمي ‏الجديد مُديروا نظام العولمة !!

‏أليسَ مِن الغرابة ، أنه في المكان نفسه الذي تأسست فيه منظمة التجارة العالمية WTO وبعد خمس سنوات على تأسيسها ، طالبت مجموعة الـ77 ‏والصين في إعلان مراكش الثاني الدول الصناعيّة سدّ الفَجوة بين الأغنياء والفقراء مِن خِلال معالجة الخَلل في النُظم الدولية التي تحكُم التنمية والتجارة والتَدفُقات المالية والمديونيّة في العالم ، كما طالبت بإعادة النظر في مفهوم العولمة وتأثيرها في اقتصاد السوق . أما اليوم أثبت مديروا العولمة فشلهلم في تحقيق هذه المطالبات على شكل إعتراف والإعلان عن إنتهاء عصر العولمة .

‏ومن المفيد للباحثين والمؤرخين أن نتستذكر ، المُؤتمر الوزاري الذي إنتهت أعماله يوم الخميس الموافق 1999/9/1 ‏ام والذي شاركت به وفود 132 ‏ دولة نامية لمدة أربعة أيام والتي طالبت مُنظمة التِجارة العالمية WTO في دورتها التي إنعقدت في أمريكا في الفترة من 30 ‏/ 11 حتى 3 ‏/12 ‏/ 999‏1م بأن تتبنى قرارات شُجاعة وتَستجيب لطموحات ومُتطلبات دول الجنوب في سَعيِها الى الإندماج الحقيقي والفاعِل في الإقتصاد العالمي وإتاحة الفُرصة أمامها وتسير الأموال التي تُؤمن تِجارَتها وشروط الإستثمار والتمويل . نتيجة لإهمال مُحفّزات الإستقرار الدولي وتعزيز سلاسِل الترابُط بين القوى العظمى ودول الإقتصادات الناشئة وتَجاهُل ترابُط وقاعدة شرعية النِظام العالمي و القادة السياسيين ، تعتمد شرعيتهم على تَحقيق الإزدهار والرخاء والديموقراطية الإجتماعية وتخفيض معدلات البطالة وتخفيف جُيوب الفقر، نعم نَتطلّع الى إعادة توزيع القوى السياسية وإعادة توزيع الثروة والموارد (المصالِح والمنافِع ) على الصعيد الدولي نحو عالم أكثر عدلاً وإنصافاً دون إستبعاد أو تمييز .

رئيس مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي

anwar.aak@gmail.com