الفلسطينيون بين الانتحار الجماعي الواعي والبقاء بلا كرامة

نبض البلد - يشرح عالم النفس الاجتماعي الفرنسي اميل دوركايم في كتابه الشهير الانتحار ، أن هناك نوعا من الانتحار الجماعي الواعي ،يحدث عندما تصل جماعة إلى شعور لا واع بأن بقاؤها بلا كرامة.هو الفناء الحقيقي،فيختار الوعي الجمعي التضحية بالجسد من أجل بقاء المعنى ،من هذا المنطلق نجد أن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى الإذلال اليومي منذ عام 1917 وحتى حرب الإبادة الجماعية في غزة عبر رحلة اضطهاده بنير المستعمر البريطاني ونير المستعمر الصهيوني ورحلة عذاباته في شتاته و المنافي وفقدانه كرامته وأنفته على يد الاحتلال وعبر ظروف معيشته الاجتماعية والأمنية في منافي اللجوء في المخيمات والمطارات وأقبية المخابرات شكلت جميعها أبشع صور الذل والمهانة التي بلورت لديه الضرورة الحتمية لإطلاق ثورة عام 1965 التي استعاد عبرها كرامته الإنسانية وحقه بامتلاك وطن بعد أن صبغ بصفة اللاجئ العاجز على أبواب مراكز توزيع التموين ليصنع لذاته صورة الفدائي الثائر ، وبعد أن كانت خيمة اللجوء عنوانا للذل والخضوع أضحت خيمة اللجوء في زمن الثورة أيقونة الكرامة والحرية وصرخة في وجه الاستبداد والقهر كما وصفها الكاتب غسان كنفاني في رواية ام سعد حينما كتب خيمة عن خيمة بتفرق ،بمعنى أن خيمة الفدائيين في معسكرات القتال منحت المجد والكرامة للاجئ الذي سلبت ذاته وكرامته، وفي رحلة الثورة في مختلف محطاتها خاض هذا الشعب مقاومته للمستعمر بكل صور النضال التي ابتدعها في مواجهة أسطورية خلدها تاريخ الشعوب الثوري أوجعت العدو وأرقت أعوانه فكما كتب الطبيب النفساني فرانز فانون المعروف باسم ابراهيم عمر فانون الذي انخرط في الثورة الجزائرية بعد أن كان ضمن الطواقم الطبية العسكرية الفرنسية حين قال إن الشعب المستعمر بفتح العين ،عندما يقتل فإنه لا ينتقم من المستعمر فحسب بل يسترد ذاته ،فبعد عمليات الإذلال المستمرة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية التي رافقها الحصار والتنكيل والتهميش واستباحة كرامة الإنسان على الحواجز والنقاط الأمنية والمداهمات الليلية و الاعدامات الميدانية وغيره من صور العبودية الحديثه التي مارسها في ظل صمت دولي مطبق لابل يكفأ نظام الابرتايد الفاشستي الصهيوني الحديث باتفاقيات ابراهيمية تطبيعية تسعى إلى تطوير ازدهاره واستقراره وتجذيره في المنطقة، فكان لابد من السابع من أكتوبر ليسترد الشعب الفلسطيني المضطهد كرامته وذاته ليحافظ على حقه في الحياه وحقه في أن يكون لديه وطن بولادة قيصرية مخاضها مثقل بالتواطئ و الخذلان ،كان مدركا قبل خوضها بنتائج تبعاتها الكارثية ،ولكن رغم ذلك كان قراره الخلاص من العبودية والاضطهاد والتهميش فدأب الهروب من يأسه وواقعه الذليل إلى الامام ،وفقا لما كتب الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين ،كل نهوض ثوري يحدث ليس بدافع التطلعات نحو المستقبل ،بل بدافع اليأس من الحاضر . لقد كان السابع من أكتوبر لحظة انفجار حتمي لليأس ،حيث بلغ الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني أقصى مداه فكان صرخة الحرية. معتصم صلاح