بلال العبويني
يلمح المراقب أن ثمة نوعا من التلكؤ أو التراجع على صعيد تعديل قانون الانتخاب، وأن ما يتم التحضير له لا يتعدى تعديلات شكلية، ربما يكون الأهم فيها، إن حدث، هو تخفيض سن الترشح للنيابة إلى ما دون الثلاثين عاما.
في لقاء رئيس الوزراء مع رؤساء تحرير الصحف اليومية وعدد من الكتاب، الذين كان كاتب هذه السطور من بينهم، كرر الرئيس الحديث عن ضرورة إشراك الشباب في الحياة السياسية مبكرا، لكنه قال "الموضوع ليس فقط سن الترشح، بل ثقافة المشاركة التي يجب أن تبدأ في المدارس".
صحيح، المشاركة الشبابية في العملية السياسية ليست محصورة فقط بتخفيض سن الترشح؛ فالمشاركة السياسية يجب أن تُصقل في الجامعات التي ما زالت أبوابها مغلقة أمام العمل الحزبي، فانتخابات مجالس الطلبة تجري في غالبيتها تحت شعارات مناطقية أو تحت ستائر تخفي بُعدها السياسي وكأنها تُعيد الطلاب إلى أزمان غابرة عندما كان العمل السياسي يمارس في الظلام وتحت الأرض.
الجامعات، هي المصنع الأول لإنتاج الكوادر السياسية والحزبية، وهي المحطة الأولى التي تبشر ببزوغ قيادات سياسية قد يكون لها شأن في الحياة السياسية مستقبلا، وبالتالي لا معنى لأي استراتيجيات تدّعي أنها تهدف لإشراك الشباب بالعمل السياسي مبكرا طالما ظلت الجامعات مغلقة أمام العمل السياسي والحزبي، وطالما ظلت تعيد إلى أذهان الطلبة وأهاليهم ذكرى الأحكام العُرفية بما فيها من خوف ورعب من انكشاف الهوية الحزبية لمن يعمل في حقل السياسة.
في انتخابات مجلس النواب الثامن عشر الذي شارف على إنهاء مدته الدستورية، نجح ثلاثة نواب فقط في عمر دون الخامسة والثلاثين، وهو رقم متواضع جدا، ما يعزز فكرة ضرورة إقحام الشباب مبكرا بالعمل السياسي، والذي يجب أن يبدأ بانتخابات طلابية حقيقية في المدارس وانتخابات برامجية سياسية حقيقية ومعلنة في الجامعات، باعتبارها الميدان الأبرز والحاسم في ذلك، كما أشرنا.
بيد أن نجاح هؤلاء بمقاعد نيابية لم يأت من منطلق تجربة سياسية شكلوها سابقا، بل لا يمكن لأحد أن يدعي ذلك، لأنه ربما لم يكن لإثنين منهم أي نشاط سياسي إبان كان طالبا في الجامعة، وبالتالي نجاحهم لا يعدو كونه نتيجة خلطة انتخابية غير سوية كما هو سائد.
لذلك، نحن نعاني اليوم من فراغ على مستوى القيادات السياسية، وبالتالي قد لا يصدف أحدنا في المشهد السياسي العام قيادات سياسية من الصف الثاني أو الثالث قادرة على أن تكون بديلة و"معبية مطرحها" في لحظة تاريخية ما، وهذا للأسف ليس محصورا بالقيادات السياسية بل بات ملمحا في الهيكل البيروقراطي للدولة، وهو ما يمكن الحديث فيه مفصلا لاحقا.
جلالة الملك في لقاء مع كتاب صحافيين عشية عيد الأضحى الماضي، تشرف كاتب هذه السطور بحضوره، أشار إلى ضرورة انتاج قيادات جديدة، وهو يدرك أهمية ذلك لتطوير الحياة السياسية والوظيفية في الدولة، كما أنه كثير ما دعا إلى ضرورة إشراك الشباب بالحياة السياسية.
وهذا ما يجب العمل وفقه سريعا، فالأمر لم يعد ترفا، لذا الكرة اليوم في مرمى الحكومة لتتقدم خطوة تجاه فتح الجامعات أمام العمل السياسي والحزبي، وطمأنة الشباب وتشجيعهم بضرورة المشاركة السياسية والانتساب الفاعل للأحزاب.
والكرة أيضا في مرمى الأحزاب التي عليها أن تجدد هيكلها وألا تمارس الدكتاتورية على كوادرها، إن كان لبعضها كوادر شبابية، بإغلاق الباب أمامهم، خوفا من سحب الكرسي من تحت الأمين العام "نابغة زمانه" الذي يستأثر بمنصبه منذ سنوات أو استأثر به بدفع من قدراته المالية.