أحمد الضرابعة
إعادة صياغة المنطقة على الطريقة الأميركية بتنفيذ إسرائيل يتطلب إضعاف مراكز القوة الإقليمية، والتي لا تقتصر على إيران فحسب، بل تشمل تركيا ومصر، وربما السعودية في حال إصرارها على ربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يعني تهيئة بيئة إقليمية متكاملة لاستيعاب إسرائيل وتفعيل اندماجها في المنطقة من خلال شراكات استراتيجية تعزز التعاون والاعتماد المتبادل مع الدول العربية في المجالات الحيوية.
يرى الإسرائيليون أن القضية الفلسطينية والحلول التقليدية لها مثل حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة تمثل عقبة أمام تصوراتها هذه، ولذا فإنها تعمل على خلق وقائع مضادة لهذه الحلول عن طريق العبث في الجغرافيا والديموغرافيا في فلسطين بواسطة أدوات التهجير والتوسع في بناء المستوطنات وإضعاف السلطة الفلسطينية بما يؤدي لفرض حقائق جديدة تُلزم الدول العربية وغيرها من الدول الإقليمية على التكيف معها بحكم سياسة الأمر الواقع، وهذا إن نجح سيؤدي لإعلان فوز إسرائيل بقيادة الشرق الأوسط ومراقبته عسكريًا وأمنيًا. وتكريس ذلك ببناء تفاهمات استراتيجية مع دول عربية وإقليمية في قضايا مختلفة، تلبي متطلبات إسرائيل المختلفة للشعور بالأمن وعدم التهديد خلال العقود القادمة وهو ما يؤدي في النهاية إلى تطهير المنطقة من التهديدات الأمنية التي تعطل المشروع الأميركي: (الممر الهندي الاقتصادي) المضاد لمشروع الحزام والطريق الصيني، وبالتالي فإن المواجهة التي خاضتها إسرائيل كانت ضرورية لكونها تعيد صوغ معادلة الردع الإقليمية بما يؤدي لحصولها على الأفضلية في الوضع الاستراتيجي في جانبي الأمن والنفوذ، وهو ما حققته بشكل نسبي حتى الآن.
رغم أن نتائج ما جرى منذ 7 أكتوبر 2023 تميل لصالح إسرائيل، إلا أن ذلك لن يستمر على المدى الطويل، فهذه المنطقة كثيرة التحولات وسرعان ما تتغير فيها أوزان القوى الإقليمية وأدوارها، وما أصبح مكسبًا استراتيجيًا لإسرائيل سيتحول إلى عبء كبير مع مرور الوقت.