القوى المدنية السودانية بين وحدة الصف وشرط العبور الدولي

نبض البلد -
القوى المدنية السودانية بين وحدة الصف وشرط العبور الدولي

يشكّل ملف القوى المدنية السودانية محور أي تسوية ممكنة للنزاع الدائر، فهي الطرف الثالث الغائب في الحرب العبثية بين الجيش والدعم السريع. تمتلك هذه القوى شرعية ثورية وتاريخ مقاومة، لكنها تواجه تحديًا في إدارة المشهد المعقد، خصوصًا مع تصاعد الجهود الدولية لفرض تسوية تشترط وحدة الصف المدني قبل أي انتقال سياسي.

أظهرت التنسيقيات المدنية، وعلى رأسها "تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدّم) بقيادة عبد الله حمدوك، قدرة على بلورة رؤية شاملة لوقف الحرب وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيد الجيش، غير أن هذه الرؤية ما زالت بعيدة عن مراكز القرار العسكري وتفتقر إلى أدوات التنفيذ الواقعية.

تتمثل الأزمة الجوهرية للقوى المدنية في تشتتها وتعدد منصاتها. تحاول "تقدّم” تقديم نفسها كوسيط يتمتع بقدر من القبول الإقليمي، لكن قوى مدنية أخرى تعتبرها جزءًا من إرث الاتفاق الإطاري الذي مهّد للانقلاب والحرب. هذا الانقسام، المتجذر في خلافات فكرية وتاريخية حول شكل الدولة ودور الدين فيها، جعل من المستحيل تقريبًا توحيد الموقف المدني أمام الوسطاء الدوليين. وقد استغلت الأطراف العسكرية هذا الضعف لرفض التفاوض مع كيان مدني موحّد، أو لخلق واجهات مدنية موازية تُجهض أي انتقال ديمقراطي حقيقي.

يدرك المجتمع الدولي، عبر مسارات "إيغاد” و"الرباعية” و"جدة”، أن وجود قوى مدنية موحدة شرط أساسي لنجاح أي تسوية سياسية. فوقف إطلاق النار لن يتحول إلى سلام دائم من دون سلطة مدنية قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية، بما تشمل من نزع سلاح الميليشيات، وإصلاح الأجهزة الأمنية، ومعالجة أزمات النزوح والعدالة. ومع ذلك، يظل الضغط الدولي متباينًا في قوته وأهدافه، إذ تسعى بعض القوى الإقليمية إلى تثبيت نفوذها أكثر من دعم التحول الديمقراطي، ما يجعل التعويل على الخارج وحده مغامرة غير مضمونة النتائج.

لكي تتحول القوى المدنية إلى فاعل حقيقي، عليها الانتقال من دور "الشريك الانتقالي” إلى "المرجعية الوطنية الجامعة”. ويتطلب ذلك تجاوز الحسابات الحزبية الضيقة لصالح مشروع وطني يجيب على سؤالَي: كيف نحكم؟ وكيف نُعالج آثار الحرب؟ مع تبنّي خطاب جامع يتخطى الانقسامات القبلية والجهوية. كما ينبغي أن يتركز دورها الأولي في إدارة المناطق الآمنة نسبيًا ووضع خارطة طريق تنفيذية بالتعاون مع الآليات الإقليمية والدولية المتاحة.

في النهاية، تتوقف قدرة القوى المدنية على إدارة المرحلة المقبلة على مستوى تضامنها الداخلي وفعالية الدعم الدولي الموجّه لها. وإن لم تنجح في تقديم جبهة موحدة ورؤية جامعة، ستظل خارج دائرة التأثير، فيما تستمر القوى العسكرية في احتكار القرار وإدامة الأزمة الوطنية.