خطاب العاهل الأردني.. إدراكٌ لخطورة الأهداف الخفيّة ورفضٌ للوصاية الدوليّة

نبض البلد -

خاص بـ"القدس" و"القدس" دوت كوم

د. جمال حرفوش: الرفض الأردني للمشاركة العسكرية تمسكٌ بمبدأ الشرعية الفلسطينية ورفضٌ لإعادة إنتاج الوصاية الدولية

طلال عوكل: خلاف إقليمي يشمل مصر والأردن مع إسرائيل بشأن طبيعة أي قوة دولية ستدخل إلى القطاع وصلاحياتها

د. رهام عودة: الأردن يرفض التورط في ترتيبات أمنية قسرية ويسعى إلى تجنّب سيناريو مشابه للتجربة الأمريكية بالعراق

د. سعد نمر: الرفض الأردني يعكس إدراكاً للمخطط الأمريكي الإسرائيلي ومحاولة توريط العرب تحت غطاء "فرض السلام"

هاني أبو السباع: الأردن يسعى لتثبيت صورته كداعم للشعب الفلسطيني لا كطرف أمني أو عسكري ضمن ترتيبات ما بعد الحرب

د. سعيد شاهين: تأكيد على أن أي حل لا يتناول جوهر الصراع يخدم الاحتلال سيما أن واشنطن تتجاهل الحقوق الفلسطينية

د. ولاء قديمات: الموقف الأردني يقوم على ضرورة أن تكون إدارة القطاع فلسطينية خالصة وكذلك رفض محاولات فرض الوصاية


تأتي تحذيرات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من تطبيق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب "فرض السلام" في قطاع غزة لتشكل رسالة سياسية واضحة تحذّر من مخاطر إعادة إنتاج الوصاية تحت غطاء دولي جديد، مع التأكيد على أهمية أن يكون الحل للفلسطنينيين فلسطينياً فقط.

ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن الموقف الأردني الرافض لإرسال قوات إلى قطاع غزة يعكس إدراكاً عميقاً بأن مثل هذه الترتيبات قد تمس جوهر السيادة الفلسطينية وتفتح الباب أمام وصاية دولية تُقصي الفلسطينيين عن إدارة شؤونهم.

ويؤكدون أن تصريحات الملك تهدف إلى التأكيد على ثوابت الأردن السياسية الراسخة، وفي مقدمتها دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ورفض أي حلول مفروضة بالقوة، مع التشديد على أن إدارة غزة يجب أن تبقى فلسطينية بحتة تعبر عن الإرادة الوطنية لا عن ترتيبات إقليمية أو دولية.

ويرون أن تحذيرات الملك تعكس إدراكاً لمخاطر المرحلة المقبلة، في ظل محاولات توظيف مفهوم "فرض السلام" لتدويل الحل الأمني في غزة بعيداً عن المسار السياسي، ما قد يؤدي إلى خلق واقع جديد يهدد الأمن الإقليمي ويقوض فرص السلام العادل والدائم في المنطقة.

دلالات قانونية وسياسية عميقة

يؤكد أستاذ مناهج البحث العلمي والدراسات السياسية في جامعة المركز الأكاديمي للأبحاث في البرازيل، د. جمال حرفوش، أن تحذير العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من تطبيق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض السلام في قطاع غزة، ورفض الأردن إرسال قوات إلى القطاع، يحمل دلالات قانونية وسياسية عميقة تعكس موقفاً سيادياً واستباقياً من مخاطر تدويل الحل الأمني الفلسطيني.

ويوضح حرفوش أن مصطلح "فرض السلام" يختلف جذرياً عن "حفظ السلام"، فالأول ينطوي على تدخل عسكري قسري يمكن أن يُفرض دون موافقة الطرف الفلسطيني، ما يشكل انتهاكاً صريحاً لمبدأ عدم الإكراه في العلاقات الدولية وخرقاً للمادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها.

ويؤكد حرفوش أن رفض الأردن إرسال قوات إلى غزة هو قرار سيادي محسوب يعكس فهماً دقيقاً للتوازنات الإقليمية، وإدراكاً بأن أي وجود عسكري أردني -حتى لو تم تحت مظلة دولية- قد يُفسَّر كوصاية جديدة على القرار الفلسطيني، وهو ما يتعارض مع الثوابت الأردنية والفلسطينية القائمة على احترام السيادة الوطنية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية.

ويشير إلى أن الموقف الأردني يوجّه رسالتين واضحتين: الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، بأن الحل لا يُفرض بالقوة المسلحة أو الترتيبات الأمنية المنفصلة عن السياق السياسي، والثانية إلى الداخل العربي والفلسطيني، بأن الأردن لن يكون جزءاً من هندسة سياسية جديدة تُضعف السلطة الوطنية الفلسطينية أو تُقسّم الجغرافيا السياسية الفلسطينية.

ويؤكد حرفوش أن تحذير الملك هو أيضاً رفض قانوني وسياسي لمنطق الوصاية الدولية الذي تحاول بعض القوى إعادة تسويقه تحت عناوين "الاستقرار" و"إعادة الإعمار"، موضحاً أن القانون الدولي الإنساني -خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة- يُحمّل قوة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن السكان، ولا يجيز نقلها إلى طرف ثالث دون قبول الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ما يجعل أي وصاية تُفرض دون موافقة السلطة الوطنية باطلة قانوناً.

ويشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى استغلال ملف الجثث لتأجيل تنفيذ الاتفاقات، مستخدمة ما يُعرف في القانون الدولي بـ"تسليح القانون" (Lawfare)- أي توظيف المعاناة الإنسانية كورقة تفاوضية لتجميد المسار السياسي.

ويوضح حرفوش أن السيناريوهات المطروحة أمام غزة تتراوح بين فرض وصاية مؤقتة بغطاء دولي تخدم إسرائيل، أو عودة تدريجية للسلطة الوطنية الفلسطينية بوساطة مصرية أردنية، أو استمرار الفوضى والانقسام، مشيراً إلى أن الموقف الأردني الرافض للمشاركة العسكرية ليس تحفظاً، بل تمسك بمبدأ الشرعية الوطنية الفلسطينية ورفض لإعادة إنتاج الوصاية الدولية بثوب جديد.

خلاف إقليمي مع إسرائيل

يعتبر الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن حديث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حول رفض إرسال قوات أردنية إلى قطاع غزة يعكس خلافاً إقليمياً يشمل مصر والأردن وربما دول عربية وإسلامية أخرى مع إسرائيل بشأن طبيعة وصلاحيات أي قوة دولية ستدخل القطاع.

وبحسب عوكل، فإن الموقف المشترك للقاهرة وعمان يرفض أن تتحول مهمة هذه القوات إلى قوة قتالية تمكّن من إنجاز ما لم تستطيعه إسرائيل بمفردها، مؤكدًا ضرورة التفريق بين قوات حفظ السلام، وقوات فرض السلام، ومصطلح نزع السلاح، لأن لكل منها مرجعيات قانونية وقيودًا مختلفة على استخدام القوة.

ويرى أن طبيعة علاقات الأردن مع واشنطن وحدود حركته الدبلوماسية تشير إلى أن الولايات المتحدة لم تُحسم بعد بشأن صلاحيات القوة الدولية المقترحة، وإلا لما صدر عن الملك موقفٌ علني بهذا الوضوح.

ويحذّر عوكل من أن إسرائيل تعمل على مسارين متوازيين لضمان سيطرتها الأمنية على غزة: الأول عبر السعي لاستقدام قوات دولية موالية تقوم بدور عملي في اجتثاث "حماس" سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا، والثاني عبر تكرار تعاملها مع لبنان -بالضغط الاقتصادي والانسداد المعيشي وإدامة الحصار- لفرض إخضاع مجتمعي طويل المدى.

ويصف عوكل ملف الجثث بأنه ذريعة لتأجيل المرحلة الثانية من الترتيبات، متسائلاً: إذا كانت إسرائيل تعرف مواقع الجثث بدقة، فلماذا لا تزوّد الجهات المعنية بالإحداثيات، خصوصًا بعد دخول المصريين مباشرةً في عمليات البحث؟ لذا فإن الإجابات على هذه الأسئلة تحدد مدى جدية الأطراف في التزامها بإنفاذ أي اتفاق.

رفض أي تورط في صراع داخلي

تؤكد الكاتبة والمحللة السياسية د. رهام عودة أن تحذير العاهل الأردني من تطبيق خطة الرئيس ترمب بشأن فرض السلام في قطاع غزة، وإعلانه رفض الأردن إرسال قوات إلى القطاع، يحملان دلالات سياسية وأمنية عميقة، تتصل برفض أي تورط أردني في صراع داخلي فلسطيني أو في ترتيبات أمنية ذات طابع قسري.

وتوضح عودة أن هناك فرقًا جوهريًا بين قوات حفظ السلام وقوات فرض السلام، مبينة أن الأولى تعمل وفق تفويض دولي للحياد والاستقرار ولا تستخدم القوة إلا للدفاع عن النفس، كما هو حال القوات الأممية في مناطق النزاع حول العالم، بينما الثانية يُسمح لها باستخدام القوة القسرية عندما تفشل الأطراف المتنازعة في الالتزام بقرارات مجلس الأمن أو عندما يشكل الوضع تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين.

وتؤكد عودة أن الملك عبد الله الثاني من خلال تصريحاته، أراد التأكيد على أن الأردن يرفض إرسال قوات "فرض سلام" إلى غزة، لأن ذلك يعني الدخول في مواجهة مع الفصائل الفلسطينية المسلحة تحت ذريعة نزع سلاح المقاومة، وهو ما تسعى إليه خطة ترمب ضمن أهدافها لإعادة هيكلة الواقع الأمني والسياسي في القطاع.

وتشير عودة إلى أن الأردن يفضل دعم قوات الشرطة الفلسطينية التابعة للسلطة الوطنية لتتولى إدارة الأمن في غزة، بما يعزز مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية، ويرفض في الوقت ذاته الوصاية الدولية أو التدخل الأجنبي في شؤون الفلسطينيين.

وترى أن العاهل الأردني يسعى إلى تجنّب سيناريو مشابه للتجربة الأمريكية في العراق، التي أدت إلى نتائج كارثية بعد إدخال قوات أجنبية إلى بلد عربي، مؤكدة أن عمان لا تريد تكرار هذا المشهد في غزة أو أن تُستدرج إلى أجندات إسرائيلية وأمريكية قد تُورّطها في صراع عربي داخلي.

القطاع بات أمام ملامح وصاية دولية

وفي تحليلها للواقع الميداني، تشير عودة إلى أن تعثر عمليات البحث عن الجثث الإسرائيلية في القطاع قد يدفع إسرائيل إلى تصعيد عسكري تدريجي على غرار ما يحدث في لبنان، بحيث تستغل كل عملية تأخير لاستهداف عناصر من المقاومة الفلسطينية، تمهيدًا لاحتمال التوغل البري بعد الخط الأصفر بذريعة رفض "حماس" نزع سلاحها.

وتبين عودة أن هذا السيناريو قد يتطور لاحقًا نحو إدخال قوات أجنبية متعددة الجنسيات إلى مناطق محددة في غزة لإدارة الشؤون الأمنية، على أن يترك للجيش الإسرائيلي مهمة توسيع "منطقة الخط الأصفر" تدريجيًا.

وتعتقد عودة أن القطاع بات أمام ملامح وصاية دولية برعاية أمريكية وإشراف أمني إسرائيلي، مع توجه لاستقدام قوات من دول لا تمتلك تاريخًا عدائيًا مع إسرائيل مثل كازاخستان وإندونيسيا، لتتولى سد الفراغ الأمني على مدى ثلاث سنوات، فيما تتولى لجنة مدنية من التكنوقراط الفلسطينيين إدارة الشؤون المحلية، في مشهد يعكس معالم المرحلة الثانية من خطة ترمب.

فهم دقيق لطبيعة المخطط الإسرائيلي- الأمريكي

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت د.سعد نمر أن تصريحات العاهل الأردني تعبّر عن فهم دقيق لطبيعة المخطط الإسرائيلي–الأمريكي الذي يهدف إلى تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها بتوريط الدول العربية بذلك تحت غطاء ما يسمى بخطة "فرض السلام" التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.

ويوضح نمر أن جوهر الخطة لا يقوم على حفظ السلام أو تهدئة الأوضاع، بل على استبدال الاحتلال الإسرائيلي بقوات دولية تؤدي الدور ذاته من قصف واستهداف ومواجهة للفصائل المسلحة، مشيراً إلى أن الأردن يرفض أن يكون طرفاً في مواجهة الشعب الفلسطيني أو أن يعمل بديلاً عن قوات الاحتلال في تنفيذ الأجندة الإسرائيلية داخل القطاع.

ويؤكد نمر أن موقف الأردن هو موقف سيادي منطقي ومتسق مع ثوابته السياسية، إذ لا يمكن لعمّان، ولا حتى لعدد من الدول العربية الأخرى، مثل مصر، أن تقبل المشاركة في مشروع يهدف إلى فرض الأمن الإسرائيلي بالقوة أو مواجهة الفصائل الفلسطينية نيابة عن الاحتلال، مؤكداً أن بعض الدول العربية تشارك الأردن هذا الموقف الرافض للانخراط في ترتيبات عسكرية تفرضها واشنطن وتخدم مصالح تل أبيب.

ويشير نمر إلى أن الخطة الإسرائيلية- الأمريكية تقوم على تحويل قطاع غزة إلى منطقة وصاية أمنية دولية تحت إشراف الولايات المتحدة، وهو ما يهدف إلى ضمان السيطرة الإسرائيلية الكاملة على القطاع دون وجود مباشر لجيش الاحتلال، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يريد الانتقال إلى المرحلتين الثانية والثالثة من خطة ترمب، التي تتضمن بحث ترتيبات أمنية ودولية لحفظ السلام، مفضلاً الاكتفاء بالمرحلة الأولى المتمثلة في استلام جثث الجنود الإسرائيليين والأسرى لدى المقاومة.

ويبيّن نمر أن نتنياهو يسعى لتكرار نموذج السيطرة الأمنية في لبنان وسوريا من خلال مواصلة القصف متى شاء وأينما أراد تحت ذريعة "حماية الأمن الإسرائيلي"، في الوقت الذي يحاول فيه إفشال المفاوضات الجارية لمنع تشكيل قوة حفظ سلام دولية تعمل بقرار من مجلس الأمن، لأن مثل هذه القوة ستكون ملزمة قانونياً بردع الاعتداءات الإسرائيلية لا تنفيذ أجندتها.

ويرى نمر أن الإشكالية الأساسية في خطة ترمب تكمن في تبنيها الكامل للرؤية الإسرائيلية وتجاهلها للحقوق الفلسطينية، موضحاً أن رفض الأردن وعدد من الدول العربية المشاركة في هذه الترتيبات يعكس وعياً بخطورة تحويل غزة إلى ساحة وصاية دولية تُنفذ فيها إسرائيل سياساتها عبر أدوات جديدة.

رسائل للداخل الأردني وكذلك للخارج

يؤكد الكاتب والمحلل السياسي هاني أبو السباع أن تصريحات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الرافضة لمشاركة القوات الأردنية ضمن أي قوات دولية قد تُنشر في قطاع غزة، تحمل رسائل موجهة إلى الداخل الأردني وكذلك موجهة للخارج.

ويوضح أبو السباع أن الموقف الأردني يعكس إدراك القيادة الأردنية لحساسية الشارع المحلي، إذ يعيش في الأردن ما يقارب ثلاثة ملايين فلسطيني، ويعارض الرأي العام بشدة أي مشاركة عسكرية أردنية في ما يُسمى "قوات فرض السلام" في غزة.

ويشير إلى أن تصريحات العاهل الأردني جاءت لتؤكد أن عمان لا تنوي الزج بقواتها في القطاع، بل تفضل لعب دورٍ تدريبي وتأهيلي لعناصر الشرطة الفلسطينية سواء داخل غزة أو على الأراضي الأردنية، تجنبًا لأي تورط مباشر قد يُفهم على أنه موقف عدائي تجاه الفلسطينيين.

ويؤكد أبو السباع أن الأردن، الذي شارك في عمليات إنزال جوي للمساعدات الإنسانية إلى القطاع واستقبل جرحى فلسطينيين للعلاج في مستشفياته، إلى جانب كوادره الطبية العاملة في المستشفى الميداني الأردني بغزة، يسعى لتثبيت صورته كداعم للشعب الفلسطيني، لا كطرف أمني أو عسكري ضمن ترتيبات ما بعد الحرب.

ويرى أن رفض الأردن ومصر المشاركة في أي قوات على الأرض يمثل عقبة رئيسية أمام خطة ترمب، لا سيما في مرحلتها الثانية التي تتركز حول جمع الجثث وبسط الأمن.

ومع إعلان حركة "حماس" تسليمها جثة أحد القتلى الإسرائيليين، يشير أبو السباع إلى أن عدد الجثث المطلوب استعادتها تقلّص إلى اثنتي عشرة جثة فقط، وهو ما أعقبه تحرك دبلوماسي أمريكي مكثف وزيارات متكررة لمسؤولين في المنطقة، إلى جانب إنشاء مركز إشراف أمريكي على تنفيذ الاتفاق، واستخدام طائرات استطلاع لمراقبة الأوضاع في غزة، في رسالة واضحة بأن واشنطن عازمة على فرض التهدئة ولن تسمح لحكومة نتنياهو بالتصعيد.

ويبيّن أبو السباع أن نتنياهو يحاول استغلال تأخر تسليم الجثث ذريعةً لاستئناف التصعيد العسكري في القطاع واستنساخ "النموذج اللبناني"، عبر تنفيذ ضربات دون رد من المقاومة بذريعة "الدفاع عن أمن إسرائيل".

ويرى أن الإدارة الأمريكية تسعى لفرض وصاية على القطاع من دون إشراك الجانب الفلسطيني الرسمي، ما يجعل تنفيذ الخطة محفوفًا بالمطبات السياسية والأمنية، لافتًا إلى أن حديث ترمب عن احتمال الإفراج عن القائد مروان البرغوثي يأتي في هذا السياق، إدراكًا من واشنطن أن حكم غزة يتطلب قيادة تحظى بقبول واسع، وهو ما ينطبق على البرغوثي أكثر من غيره.

وعيٌ سياسيّ لخطورة الأهداف الخفية

يعتبر أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل، د. سعيد شاهين، أن تصريحات العاهل الأردني تُعد من أكثر المواقف وضوحاً وحذراً تجاه النوايا الأمريكية والإسرائيلية في ما يتعلق بمستقبل القطاع.

ويشير شاهين إلى أن هذه التصريحات تعكس وعياً سياسياً لخطورة ما تحمله خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من أهداف خفية تتجاوز وقف الحرب إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني بما يخدم مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف.

ويوضح شاهين أن خطة ترمب وما تبعها من تحركات أمريكية تُركّز على تحقيق تطلعات إسرائيل في بسط نفوذها الأمني والسياسي على غزة، عبر فرض تسويات تُنهي المقاومة وتُحيد الفصائل الفلسطينية بالقوة، وذلك استكمالاً للأهداف التي فشلت إسرائيل في تحقيقها بحرب الإبادة.

ويشير شاهين إلى أن الولايات المتحدة تحاول التفرد بصنع القرار بالتنسيق مع إسرائيل، متجاهلة الشركاء الإقليميين ومتجاوزة الحقوق الفلسطينية في تقرير المصير، ما يدفع الأردن ودولاً أخرى إلى التأكيد أن أي حل لا يتناول جوهر الصراع، سيكون مجرد ذرٍّ للرماد في العيون ويخدم الاحتلال بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ويبيّن شاهين أن الأردن، الذي رفض سابقاً ضغوطاً أمريكية لفتح أراضيه أمام تهجير الفلسطينيين من غزة خلال الحرب، يشعر اليوم بخطر داهم من التماهي الأمريكي مع السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إذ تخشى عمّان أن يتم تمرير سيناريو مشابه لما يُخطط له في غزة، على حساب الأمن القومي الأردني والمصالح الوطنية للملكة.

المنطقة تتجه نحو مشهد دموي جديد

ويشير شاهين إلى أن إصرار إسرائيل والولايات المتحدة على الضغط على حركة "حماس"، ورفض تل أبيب تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، واستمرارها في القتل ومنع المساعدات وإغلاق المعابر، كلها مؤشرات على أن المنطقة تتجه نحو مشهد دموي جديد.

ويلفت شاهين إلى أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ضد لبنان، وخروقات الاحتلال المتكررة، تُظهر تمسك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بخيار الحرب كوسيلة للبقاء السياسي والهروب من أزماته الداخلية.

ويؤكد شاهين أن المشهد في غزة بات معقداً ومتداخلاً إقليمياً ودولياً، وسط غياب رؤية واضحة لما بعد الحرب، مشيراً إلى أن رفض إسرائيل لفكرة قوات حفظ السلام وإصرارها على استمرار السيطرة الأمنية الكاملة على القطاع يهددان بنسف أي اتفاق سياسي أو ميداني، كما أن استحواذ الولايات المتحدة على الملف الفلسطيني يكشف نيتها في فرض وصاية غير معلنة على غزة.

المشهد في غزة معقد للغاية

تؤكد الكاتبة والباحثة السياسية د. ولاء قديمات أن تحذير العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من تطبيق خطة الرئيس الأمريكي يأتي في إطار التزام الأردن التاريخي بدعم القضية الفلسطينية ورفضه أي وصاية على غزة.

وتشير قديمات إلى أن الموقف الأردني يقوم على ضرورة أن تكون إدارة قطاع غزة إدارة فلسطينية خالصة تعبّر عن الإرادة الوطنية الفلسطينية.

وتؤكد قديمات أن المشهد في غزة معقد للغاية، حيث تواجه خطة ترمب للسلام عقبات كبيرة تحول دون تنفيذها، من بينها الخلاف داخل مجلس الأمن حول منح التفويض للقوات الدولية المتوقع دخولها القطاع، والجدل حول طبيعة مهام هذه القوة وصلاحياتها ومدّة بقائها، إضافة إلى الإشكالية الأساسية المتمثلة في ضرورة عودة القرار في غزة إلى القيادة الفلسطينية.

وتبيّن قديمات أن رفض الأردن المشاركة في أي قوة دولية لغزة يعكس مخاوف حقيقية من التورط العسكري في بيئة أمنية شديدة التعقيد، كما يؤكد رفض الأردن لأي محاولات لفرض واقع جديد بالقوة في القطاع.

رؤية شاملة لمعالجة الأوضاع في غزة

وتعتبر قديمات أن الموقف الأردني يعكس رؤية شاملة لمعالجة الأوضاع في غزة لا تقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، بل تمتد إلى الأبعاد السياسية والإنسانية والاجتماعية، في ظل إدراك القيادة الأردنية لحجم التعقيدات والمخاطر الإقليمية المرتبطة بالملف.

وفيما يتعلق بالمرحلة المقبلة، تلفت قديمات إلى أن تنفيذ خطة ترمب يواجه تحديات متراكمة ترتبط بتعنت إسرائيل، والانقسام الفلسطيني الداخلي، ومدى قدرة "حماس" على الالتزام بما تم الاتفاق عليه، إضافة إلى حساسية المواقف العربية، ولا سيما من جانب الأردن ومصر.

وتحذر قديمات من أن غياب الإرادة الأمريكية والإقليمية الجادة لإنجاح مسار وقف الحرب، واستمرار الفشل في التعامل العربي والفلسطيني مع خطورة المرحلة، قد يدفع نحو فرض وصاية دولية على غزة.