طوقان: استثمرنا المتميزين في أدوار مختلفة بمدارسهم ومديرياتهم لتعميق ثقافة التميز
الأنباط – شذى حتاملة
في كل عام حين يحل "يوم المعلم" تعود الأضواء لنسلط الضوء على الجنود المجهولة التي تقف خلف كل نجاح، ويبنون بصبرهم وبجهدهم أجيالًا قادرة على قيادة الوطن، وفي هذا اليوم لا نحتفل بالتدريس فقط بل بالأثر الذي يتركه المعلم في نفوس الطلبة، وفي هذه المناسبة تروي معلمات متميزات قصصًا حقيقة من الميدان، وكيف ساعدن طالبات على اكتشاف قدراتهن، وكيف تحولت لحظات بسيطة في الصف إلى تجارب غيرت حياة كاملة.
جمعية الجائزة.. عشرون عامًا من الشراكة مع الميدان
ووجهت لبنى طوقان رئيسة جمعية جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي لكل معلم ومعلمة في أردننا، على مدى عشرين عاماً، كانت الجمعية ولا تزال جزءاً من جهود جماعية بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم والعديد من الشركاء المؤمنين بالمعلم الأردني، فالميدان هو مصدر التميز وغاية الأثر، والجمعية هي المحرك الذي يبحث عن التميز ليقدّره ويضاعف أثره، وقد عملنا على ترسيخ نهج يمنح المدارس والمعلمين مفاتيح التطور المستمر والاعتماد على الذات، فلم يعد الميدان متلقياً للبرامج بل شريكاً يصنعها ويثريها.
واضافت انه من خلال الجوائز التي تسلّط الضوء على المتميزين، والبرامج التي تنبثق من الميدان لتعالج تحدياته، استثمرنا المتميزين في أدوار مختلفة في مدارسهم ومديرياتهم لتعميق ثقافة التميز، وبنينا معاً بيئات تعلم آمنة ومتميزة، هذه الجهود عززت ثقة الميدان بنا، وهو ما نلمسه في الإقبال المتزايد عاماً بعد عام على الجوائز والبرامج، كل عام ومعلمونا بخير، وكل عام والجمعية بعطاء ونجاحات أكبر، وكل عام ونحن جميعاً شركاء في تمكين أبنائنا وصناعة مستقبل وطننا.”
المعلمة رضى علي الصوص.. رسالة إنسانية سامية
بابتسامة هادئة وصوت يحمل الكثير من الشغف، تحدثت المعلمة رضى علي الصوص، الحاصلة على المركز الثاني الفئة الرابعة في جائزة الملكة رانيا العبدالله للمعلم المتميز لعام 2011 عن رحلتها في التعليم، والتي تمتد بين المرحلتين الأساسية والثانوية في تدريس الفيزياء، رحلة وصفتها بكلمة واحد”رسالة " فهي رسالة انسانية سامية تتجاوز حدود التدريس، لتبني جيلًا واعيًا قادرًا على صناعة المستقبل.
وتروي الصوص التي تعمل بمدرسة الجوفة الثانوية في لواء الشونة الجنوبية، أن لو كتب طلابها رسالة لها فإنها تتوقع أن تحمل كلمات شكر وامتنان، لا لكونها فقط معلمة تشرح الدروس، بل لأنها كما قالإ"إنسان يؤمن بقدراتهم، يشجعهم على التميز، ويحتويهم في لحظات ضعفهم "وربما سيكتبون " أنني تركت في حياتهم أثراً طيباً لن ينسوه، وأنني كنت سنداً لهم في رحلتهم التعليمية والشخصية".
وحول الموقف واللحظة التي جعلتها تشعر بانها احدثت فرقا في حياة طالب اشارت إلى قصة الطالبة التي كانت تعاني من ضعف الثقة بالنفس، تتحول إلى متفوقة بفضل التشجيع والدعم الفردي، تقول"شعرت حينها أن دوري التربوي يتجاوز حدود المنهاج، وأنني أساهم في بناء شخصية قادرة على مواجهة التحديات."
وحول فوزها بجائزة الملكة رانيا، أكدت الصوص أن هذا التكريم لم يكن مجرد اعتراف بل مسؤولية مستمرة، وتقول بثقة " أن أكون معلمة متميزة يعني أن الجهد والاخلاص لا يضيعان، وأن التفاني في خدمة الطلبة يصنع فرقاً، الجائزة ليست نهاية المطاف، بل بداية لمزيد من البذل والعطاء".
ولفتت الصوص إلى أنها تؤمن بزراعة الأمل والإبداع في عقول طالباتها، مبينة ذلك "انني أحفزهم باستمرار، وأُظهر إيماني بقدراتهم، أجعلهم يرون الفشل كخطوة نحو النجاح، وأفتح لهم مجال الابداع، من خلال أنشطة عمليةومساحات للتفكير الحر وتشجعهم على طرح الافكار الجديدة و تربط التعلم بحياتهم الواقعية.”
وفي تقييمها لبرامج جمعية الجائزة، قالت إن البرامج بدأت بحلول من الميدان وعادت إليه، مما جعل أثرها ملموساً في تطوير بيئة المدرسة، مضيفة " عززت روح التعاون بين المعلمين، ورفعت من تحصيل الطلبة ودافعيتهم، وربطت المدرسة بالمجتمع المحلي بصورة اقوى".
بعد مرور 20 عاماً على تأسيس الجمعية، ترى الصوص أن العلاقة بينها وبين الميدان التربوي أصبحت تكاملية وراسخة لافتة إلى أن الجمعية باتت جسراً يربط بين جهود المعلمين في الميدان والرؤى الوطنية للتعليم، وهي شريك فاعل في تطوير العملية التربوية ومصدر إلهام ودعم مستمر.
وعن رسالتها للمعلمين الراغبين بالتقديم للجائزة شجعتهم قائلة " لا تترددوا في خوض هذه التجربة فهي فرصة تسلط الضوء على إنجازاتكم، وتمنحكم مساحة للتعلم وتبادل الخبرات، ما يبدو بسيطاً لكم قد يكون عظيماً في أعين الآخرين.”
وبمناسبة يوم المعلم، وجهت الصوص رسالة لزملائها في كل أنحاء المملك " أنتم الروح التي تبني هذا الوطن، وبكم تصنع الأجيال وتبنى القيم، مضيفة " أن يوم المعلم هو يوم الوفاء لكم، لكن الحقيقة أن كل يوم هو يومكم، كل عام وأنتم أساس التنمية والنهضة في أردننا الغالي.”
المعلمة مجدولين مصطفى عياد.. الأثر الطيب الذي يبقى
ومن شمال المملكة، وتحديدًا في مدرسة المغير الثانوية للبنات تروي المعلمة مجدولين مصطفى عياد الحاصلة على المركز الثاني في جائزة الملكة رانيا العبدالله للمعلم المتميز عام 2017 تجربتها التربوية بكلمة واحدة " أثر” تقول " ما يبقى في النهاية هو الأثر الطيب الذي نتركه في نفوس طلبتنا ومعلمينا".
وقالت في حديث خاص”إذا كتب طلابي لي رسالة فأتوقع أن يقولوا شكراً لأنك علمتنا أن نؤمن بقدراتنا، لأنك جعلت من التعليم متعة، شكرًا لانك كنتِ لنا القدوة والملهمة، وتركت أثراً لا يمحى في قلوبنا قبل عقولنا".
وعندما سئلت عن اللحظة التي شعرت فيها أنها أحدثت فرقًا، لم تذكر موقفاً واحداً بل سلسلة من التجارب التي شكلت محطات فارقة في مسيرتها وقالت " طالبة اكتسبت مهارات الإلقاء، وقامت بدور الداعية الصغيرة، وأخرجت فيديو عن المسجد الأقصى، وأعدت مشروعًا في الإعجاز العلمي، كل ذلك كان نتيجة متابعة وتدريب وتعزيز مستمر، أما اللحظة الأجمل فحين أخبرتني إحدى الطالبات أنها اختارت الدراسة في الجامعة الشريعة الاسلاميةلأثر تركته في نفسها، والأعمق من ذلك كله، هو أن أرى طالبة تطبق ما تعلمته مني في حياتها اليومية، وتتحول إلى إنسانة صالحة تنفع وطنها وأمتها.”
وحول حصولها على الجائزة قالت عياد " إنها تعد وسام فخر وفي الوقت ذاته مسؤولية اكبر تجاه من حولي كسفيرة للتميز "، مضيفة "الجائزة تلهمني للاستمراروالسعي للتطوير الدائم في خدمة الميدان التربوي.”
أما عن زراعتها للأمل والإبداع اوضحت أنها تؤمن أولًا بقدرات طالباتها، وتفتح أمامهن مساحات من التفكير والتجربة، قائلة " اشجعهم على المحاولة وأحفزهم وأحتفي بانجازاتهم الصغيرة واغرس فيهم أن الابداع ليس احتكرا على فئة بل هو ممكن لكل من يحاول ويثق بقدراته".
وعن أثر برامج جمعية الجائزة في المدرسة، تحدثت عياد عن نقلة نوعية وقالت "برامج الجمعية انطلقت من تحديات حقيقية من واقع الميدان، مما أتاح لنا تطبيق حلول تناسب بيئاتنا واحتياجاتنا، مضيفة " بدأنا ببرنامج الجدران التفاعلية، ونسعى لتحويل الساحة لمساحة تربط بين اللعب والتعلم، ونتجه لاعتماد الاستوديو التعليمي لتعزيز مهارات الطالبات والمعلمات، كما تبنت المدرسة لسنوات برنامج (بيئتي الأجمل) الذي أحدث فرقًا كبيرًا في جعل البيئة التعليمية أكثر جذبًا للطلبة.”
وذكرت عياد أن العلاقة بين الجمعية والميدان التربوي اليوم أصبحت تشاركية وتكاملية، موضحة أن الجمعية باتت مظلة تحفزالمعلمين وتدعمهم، وجسرًا يربط بين الطموح والتطبيق وبين الحلم والواقع، مضيفة أن الوزارة تبنت عدد من برامج التميز مثل بيئتي الأجمل والحلول المطبقة .
وفي رسالة وجهتها لزملائها المعلمين الراغبين في الترشح للجائزة قالت بثقة " لا تترددوا قصتكم التربوية وما حملته في طياتها من جهود وعطاء وتضحيات وتفاني، تستحق أن تروى والترشح للجائزة رحلة لاكتشاف الذات وتطوير الممارسات التربوية، وستخرجون منها أكثر إيماناً برسالتكم.”
وفي ختام حديثها وجهت المعلمة مجدولين عياد رسالة لزملائها المعلمين في الأردن بمناسبة يوم المعلم " أنتم النور الذي يضيء الدرب لأبنائنا فكل عام وأنتم بخير وكل عام وأنتم أعمدة هذا الوطن وركيزته " .
المعلمة إيمان محمد بني سليمان.. اكتشاف قدرات الأطفال
ومن غرفة صفية صغيرة في احدى مدارس عجلون تروي المعلمة ايمان محمد بني سليمان حكاية تميزها التربوي ،معلمة رياض الاطفال التي امنت بان التعليم في مراحله الاولى هو البذرة التي تثمر مستقبلا تنقل تجربتها بعد أن نالت جائزة الملكة رانيا العبدالله للمعلم المتميز مرتين الاولى عام 2019 بحصولها على المركز الثاني، والثانية عام 2025 بتحقيقها المركز الأول عن الفئة الأولى "أ” رياض الاطفال .
وقالت بني سليمان عندما سئلت " إذا كتب طلابكم رسالة لكم ماذا تتوقعون أن يقولوا فيها؟"أجابت"لدي صندوق مليء برسائل سابقة من أطفال أحببتهم وأحبوني، لذلك أتوقع أن تكون رسالتهم الجديدة امتداداً للبراءة والحب الصادق، والامتنان العميق لمرحلة التأسيس، لن يركزوا على معلومة حفظوها بل على الأثر العاطفي والسلوكي، أتخيلهم يقولون الكثير من المعاني اللطيفة، ولكن أكثرها تأثيراً سيكون "شكراً مس إيمان، علمتنا أن نلعب ونتعلم في نفس الوقت، وعلمتنا كيف نكون أصدقاء. "
وتروي إحدى القصص التي بقيت محفورة في ذاكرتهاقصة الطفلة "أبرار” وقالت "عندما دخلت أبرار إلى صفي في الروضة، كانت طفلة من الجنسية السورية، خجولة ومنطوية نتيجة ظروفها الجديدة، لم تكن تندمج مع زملائهاوغالبًا ما كانت تجلس بمفردها، شعرت حينها أن التحدي أكبر من تعليم الحروف والأرقام، كان علي أن أبني جسور الثقة والانتماء.”
وبدأت المعلمة رحلتها مع أبرار بخطوات مدروسة وفّرت بيئة آمنة خاطبت الأطفال كعائلة واحدة، وقدمت للطفلة أوقاتًا فردية مخصصة للعب الموجه، ومن خلال تكليفها بمهام بسيطة ودمجها في الروتين اليومي، بدأت أبرار تشعر بالانتماء دون الحاجة لتسليط الضوء على خلفيتها أو ظروفها.
واضافت بني سليمان أن المفاجأة الكبرى لم تكن في الروضة بل بعد سنوات، عندما تابعتها المعلمة بالتنسيق مع المرشدة التربوية، واقترحت إشراكها في برنامج تدريبي لمهارات القيادة ، "اليوم أبرار أصبحت قائدة طلابية، واثقة بنفسها، متحدثة لبقة، ومصدر إلهام لزملائها.”
وعن فوزها بجائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي، اوضحت أن التميز ليس لقبًا بل مسؤولية ومرجعية " هي مسؤولية لأنني أصبحت نموذجًا أمام زملائي، ومرجعية لأنني ألتزم بمعايير التميز وأحرص على تطوير ذاتي باستمرار، كي أبقى مواكبة لأفضل الممارسات العالمية في التعليم.”
وحول دورها في زرع الأمل والإبداع بينت بني سليمان " أن الأمل والإبداع ليسا مادتين ندرسهما ،بل هواء يتنفسه الطفل في بيئته الصفية، أزرعهما من خلال بيئة تعليمية داعمة، تحتضن الفكرة قبل الإجابة، والخطأ قبل الصواب، حين يرى الطفل أنني أؤمن بقدراته، يزدهر، حين أتبنى أفكاره وأوفر له موادًا مفتوحة لكسر التكرار، يتحول من متلقٍ إلى مبتكر.”
وتثني بني سليمان على البرامج التي قدمتها الجمعية مثل "صف الفرح” و”الجدران التفاعلية”، والتي لم تأتِ من فراغ، بل من واقع الميدان وتحدياته، مشيرة إلى أن " هذه البرامج لم تكن نظرية، بل حلول واقعية نابعة من تجارب معلمين ،لذلك كان تبنيها طبيعيًا، لأنها تلامس حاجتنا،صف الفرح وفر بيئة آمنة وغنية للطفل، والجدران التفاعلية أضفت لحظات ملهمة وممتعة.”
وبعد مرور عشرين عامًا على تأسيس الجمعية ذكرت أن العلاقة بين الجمعية والميدان التربوي تطورت إلى شراكة متبادلة التأثير " المعلمون يرفدون الجمعية بالنماذج، والجمعية تحتضنهم وتمنحهم منصات لنشر أثرهم، لقد أصبحت الجمعية حاضنة حقيقية للمبادرين.”
أما رسالتها لزملائها المعلمين بينت بني سليمان أن " الجائزة ليست نهاية المطاف، بل بداية رحلة أثر جديدة، لا تقلل من شأن عملك اليومي، كل تفاعل في صفك، كل لحظة تعلم، تستحق أن توثق، وعملية التقديم للجائزة تمنحك فرصة نادرة لترى نفسك بعين مختلفة، وتكتشف قوتك المهنية.”
وفي يوم المعلم وجهت تحية صادقة لزملائها وزميلاتها في الميدان " شكراً لأنكم اخترتم أن تكونوا بناة المستقبل،تذكروا دومًا أنكم لستم مجرد ناقلي معرفة، بل صناع أمل ومهندسو شخصيات، استمروا في عطائكم، فالأثر الذي تزرعونه في قلوب وعقول الأطفال هو الأثر الذي لا يمحوه الزمن.