خطة ترامب وخيارات المقاومة — مآلات القضية الفلسطينية

نبض البلد -

عماد عبدالقادر عمرو

لم تحمل ما يُسمى بـ”خطة ترامب” أي إنجاز يُذكر لصالح القضية الفلسطينية، بل جاءت لتكرّس واقع الاحتلال وتمنح إسرائيل مكاسب سياسية وأمنية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. فقد غابت عنها الأسس الجوهرية لأي تسوية عادلة: لم تحدد جدولاً زمنياً، لم تعترف بدولة فلسطينية مستقلة، لم تذكر القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، وتعاملت مع غزة ككيان منفصل تحت وصاية أمريكية، دون مشاركة الفلسطينيين في صياغتها أو ضمانات حقيقية لتنفيذها.

مكاسب إسرائيل من الخطة

الخطة صيغت لتمنح إسرائيل كل ما سعت إليه عبر القوة والحروب، أبرزها:
•إنهاء المقاومة المسلحة عبر جمع وتسليم سلاحها.
•تثبيت حق إسرائيل كدولة طبيعية لا كدولة احتلال.
•عودة إسرائيل إلى المنظومة الدولية ووقف أي إجراءات قضائية ضدها وضد قادتها.
•تطبيع كامل مع الدول العربية.
•تثبيت القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
•عملياً، إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية وقتل فكرة إقامتها.

المأزق أمام حماس والفصائل

تجد حماس وباقي فصائل المقاومة نفسها أمام معضلة صعبة:
•الرفض الكامل يعني استمرار الحرب والحصار والخسائر.
•القبول الكامل يعني فقدان الشرعية الشعبية وتفكيك المقاومة دون مكاسب سياسية.

لذلك، يقف الفلسطينيون أمام ضرورة البحث عن خيار ثالث يُفشل الخطة بصيغتها المنحازة، لكنه يفتح الباب لتسوية عادلة.

الخيارات المتاحة أمام المقاومة

1. القبول المشروط والتفاوض
ويشمل وقف إطلاق النار وتسليم الأسرى والجثامين، الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، اعترافاً متبادلاً بالحقوق، دخول السلطة الفلسطينية إلى غزة وتسلمها السلاح باعتبارها السلطة الشرعية، دمج عناصر المقاومة في المؤسسات أو عودتهم للحياة المدنية أو خروجهم الآمن، مع ضمانات أمريكية ودولية لتنفيذ الاتفاق.

2. الرفض والاستمرار في المقاومة المسلحة
يحافظ على الثوابت الوطنية ويرفض أي تنازل قسري، لكنه يطيل أمد المعاناة الإنسانية ويزيد من عزلة الفصائل إقليمياً ودولياً.

3. القبول الجزئي التكتيكي
بهدنة محدودة وتبادل للأسرى، مع ربط أي تقدم سياسي لاحق بضمانات دولية وجدول زمني واضح للاعتراف بالدولة الفلسطينية ورفع الحصار وإعادة الإعمار.

عناصر لا بدّ منها لأي اتفاق قابل للحياة
•اعتراف متبادل مكتوب بحق إسرائيل في الوجود وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
•ضمانات دولية قوية بمشاركة الأمم المتحدة والدول الكبرى والدول العربية.
•خطة إعادة إعمار وتمويل دولي لدمج المقاتلين بالحياة المدنية.
•جدول زمني واضح وآليات متابعة ومحاسبة.

الخاتمة

الخطة كما وُضعت تمنح إسرائيل كل المكاسب وتحرم الفلسطينيين من حقوقهم، غير أن المقاومة قادرة على تحويل التهديد إلى فرصة عبر القبول المشروط الذي يفرض على العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ويُلزم إسرائيل بإنهاء الصراع وفق قواعد عادلة. وبهذا، تصبح المقاومة ورقة سياسية رابحة، ويُعاد وضع القضية الفلسطينية على مسارها الصحيح: نحو دولة مستقلة، اعتراف متبادل، وضمانات دولية تحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وفي الوقت ذاته، يظل الأردن الرسمي يراقب ويتابع عن كثب كل ما سيصدر من ردود ومقترحات، واضعًا وقف الحرب كأولوية مطلقة للبعد الإنساني في هذه الحرب الهمجية، مع رفض أي صيغة تمسّ أمنه واستقراره مهما كانت الضغوطات. وقد أكد جلالة الملك منذ سنوات طويلة أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، غير أن إسرائيل ما زالت ترفض الانصياع للشرعية الدولية، ما يضاعف من خطورة المرحلة ودقّتها.