تحوّل التعليم إلى "ترند".. مشاهير السوشيال ميديا يدخلون الصفوف الدراسية

نبض البلد -

النوايسة: التعليم مهنة مقدسة وليس كل مشهور قادر على تقديم تعليم هادف

درويش: المنصات التعليمية دخلت مرحلة "غرف الإنعاش" نتيجة هذا التوجه

 

 

 

الأنباط – شذى حتاملة

 

 

 

شهدت الساحة التعليمية في الآونة الأخيرة تحوّلًا لافتًا مع استعانة المنصات التعليمية بمشاهير السوشيال ميديا لتقديم محتوى دراسي بأسلوب ترفيهي عبر "يوتيوب" و"تيك توك".

 

هذا التحوّل الذي جعل من بعض المؤثرين "معلمين جدد" أثار جدلًا واسعًا في الأوساط التربوية والأكاديمية، وفتح باب التساؤلات: هل يمثل أسلوبًا مبتكرًا يعزز أدوات التعليم؟ أم أنه بداية لتغليب "الترند" على حساب جودة التعليم ومصداقيته؟

 

الخبير والمستشار التربوي الدكتور عايش نوايسة حذر من هذه الظاهرة، مشددًا على أن التعليم مهنة قائمة على مهارات متخصصة ومعايير أكاديمية صارمة، وأن دخول المشاهير إلى هذا المجال دون تأهيل تربوي يحوّل العملية التعليمية إلى مجرد شكلية، ويكرّس سلوكيات سلبية لدى الطلبة. وقال: "ليس كل مشهور قادرًا على تقديم تعليم نوعي أو محتوى هادف"، مؤكدًا أن غياب الكفاءة يفرغ التعليم من رسالته الحقيقية.

 

وأضاف نوايسة أن وجود المشاهير عبر المنصات الرقمية التعليمية عزّز الفوضى، إذ أصبح المحتوى تجاريًا وترفيهيًا أكثر من كونه تربويًا. كما أن اعتماد بعض المنصات على "الترند" لاستقطاب الطلبة، سواء عبر الاستعانة بمشاهير أو طلاب متفوقين، أفقد التعليم رسالته الأساسية، وحوّله إلى "استعراض رقمي" بعيد عن الأهداف التربوية.

 

وانتقد نوايسة غياب المعايير في اختيار من يقدم المحتوى، معتبرًا أن ذلك حوّل التعليم إلى "تجارة"، انعكست سلبيًا على جودته.

 

وأوضح أن ثقة الطلبة في المشاهير تستند غالبًا إلى مكانتهم الاجتماعية لا إلى جودة ما يقدمونه، وهو ما انعكس في ضعف نتائج الثانوية العامة، بسبب اعتماد الطلبة على نمط تعليمي واحد (السمعي والبصري) دون تنويع في أساليب التعلم. ودعا وزارة التربية والتعليم إلى التدخل عبر إعادة تفعيل "إجازة التعليم" وتجديد "الرخصة المهنية" للمعلمين، سواء في المدارس أو عبر المنصات الرقمية، لضبط هذه الفوضى.

 

وفي السياق ذاته، أكد الخبير التربوي محمود درويش أن التعليم في الأردن لم يعد محصورًا داخل الصفوف أو المنصات الأكاديمية الرسمية، بل دخل مرحلة جديدة يقودها مشاهير "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين يقدمون أنفسهم كـ"معلمين جدد" عبر مقاطع قصيرة تتناول شرح مادة دراسية أو التعليق على الامتحانات. لكنه تساءل: "هل هذا التحول يخدم التعليم فعلًا، أم أنه ناقوس خطر ينذر بانهياره؟"

 

وحذّر درويش من أن هذه الظاهرة قد تزيد من نسب التسرب المدرسي، حيث يفضّل الطلبة متابعة محتوى المشاهير بدل الالتزام بالمعلمين الأكاديميين، لافتًا إلى أن المؤثرين يمتلكون أدوات جذب جماهيري أقوى من الأدوات التقليدية للمعلم، خصوصًا لدى المراهقين. وأضاف أن أخطر ما في الأمر هو تمرير معلومات مغلوطة، لا سيما في الجوانب الدينية والتاريخية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على القيم المجتمعية.

 

وتابع درويش أن مكانة المعلم الأكاديمي تتراجع أمام مشاهير يحظون بملايين المتابعين، رغم افتقارهم للتأهيل التربوي أو العلمي، مشيرًا إلى أن بعض المنصات التعليمية تتعاقد مع هؤلاء مقابل مبالغ طائلة لجذب الطلاب، بينما يقوم معلمون مساعدين بتقديم المحتوى الفعلي. وانتقد ما وصفه بـ"تهميش الكفاءات الأكاديمية" لحساب المحتوى الرائج، معتبرًا أن المنصات التعليمية دخلت مرحلة "غرف الإنعاش" نتيجة هذا التوجه.

 

ودعا درويش وزارة التربية والتعليم إلى فرض رقابة صارمة على هذه المنصات، بحيث يُشترط أن يحمل أي شخص يقدم محتوى تعليميًا شهادة اختصاص ورخصة مزاولة مهنة التعليم، متسائلًا: "هل مشاهير السوشيال ميديا الذين يقدمون محتوى تعليميًا يملكون أصلًا المؤهلات والتراخيص اللازمة؟"

 

واختتم درويش حديثه بالقول: "المعلومة ليست ترندًا ولا مقطعًا قصيرًا ينتهي أثره بعد دقائق، بل هي بناء متكامل يقوم على المنهجية والصبر والإخلاص. فإذا كان الطالب اليوم يبحث عمّن يحب لا عمّن يثق بعلمه، فإن دخول مشاهير السوشيال ميديا إلى التعليم قد يكون إضافة مؤقتة إن ضُبط بضوابط أكاديمية واضحة، لكنه قد يتحول إلى بداية انهيار صامت إن تُرك بلا معايير، لأن التعليم ليس مسرحًا للاستعراض بل رسالة لبناء جيل".