نبض البلد - في مقابلة متلفزة حديثة، أشار صديقي الأمين العام لحزب المحافظين د. طلال الشرفات بما يلي:
"السبب في تأسيس حزب المحافظين هو خلو الساحة السياسية من حزب سياسي أيديولوجي قادر على مواجهة خطاب المعارضة في الشارع الأردني، وبالذات خطاب الحركة الإسلامية."
هذا التصريح الهام يكشف واحدة من أبرز إشكاليات المشهد الحزبي الأردني: غياب المرجعيات الفكرية الصلبة لدى معظم الأحزاب، مقابل حضور معارضة مؤدلجة تعرف كيف تخاطب الشارع وتُعَبّئه.
في السياسة لا وجود لفراغ. فعندما تغيب الأحزاب الأيديولوجية عن المشهد الرسمي، يملأ هذا الفراغ خصومها، لتصبح المعارضة وحدها صاحبة الخطاب العقائدي وصاحبة القدرة على التأثير.
الأيديولوجيا ليست ترفاً فكرياً، بل هي البوصلة التي تمنح الحزب هوية وشرعية أمام قواعده. فمن جمال عبد الناصر وخطابه القومي، إلى الإسلام السياسي بشعار "الإسلام هو الحل"، إلى الماركسيين المدافعين عن "الطبقات الكادحة"، وحتى الليبراليين الذين رفعوا راية الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث كانت الأيديولوجيا دائماً سلاحاً سياسياً حاسماً.
أما في الأردن، فإن الصورة تبدو مختلة: المعارضة وحدها ما تزال تحمل خطاباً أيديولوجياً واضحاً. فجبهة العمل الإسلامي تمثل الامتداد الأبرز للإسلاميين، بينما تحافظ بعض الأحزاب القومية واليسارية على حضور رمزي رغم ضعفها.
في الجانب الآخر، تكاد الأحزاب الموالية أو "الرسمية" تفتقر إلى أي خطاب أيديولوجي، لا بل هي أقرب إلى "مؤسسات سياسية" ترفع شعارات وطنية عامة وخططاً إقتصادية وتنموية فضفاضة، لكنها لا تقدم مشروعاً فكرياً متماسكاً يعبئ الشارع أو يواجه المعارضة فكرياً.
إن أخطر ما يواجه الحياة الحزبية في الأردن اليوم هو هذا الاختلال الحاد: معارضة مؤدلجة في مواجهة موالاة بلا عقيدة سياسية. النتيجة واضحة: الشارع يبقى أكثر استعداداً للإصغاء لمن يملك خطاباً فكرياً متماسكاً، بينما تتراجع الأحزاب الأخرى إلى الهامش بلا تأثير شعبوي حقيقي.
خلاصة القول، فإننا في الأردن بحاجة الى إصلاح حزبي حقيقي يُطلب فيه من الأحزاب الموالية أن تخرج من عباءة "الأندية السياسية" إلى فضاء الأيديولوجيا الصريحة. عليها أن تتبنى خطاباً فكرياً واضحاً يوازن خطاب المعارضة، ويمنحها شرعية في الشارع وقوة في التنافس السياسي. فبدون ذلك ستبقى هذه الأحزاب نسخ مكررة وعاجزة عن ملء الفراغ، تاركة المعارضة وحدها في ساحة التعبئة والتأثير.