ايوب ابو دية يكتي: الأردن أولاً ثم إسبانيا

نبض البلد - الأردن أولاً ثم إسبانيا

د. أيوب أبودية

شهد العالم في الحرب الأخيرة على غزة مبادرة إنسانية لافتة حين بادر الأردن بإسقاط معونات غذائية على قطاع غزة، خطوة أعادت إلى الأذهان صورة الدولة الصغيرة في حجمها، الكبيرة في فعلها، وهي تسابق الآخرين إلى نجدة المظلومين والمحتاجين. لم يكن الدافع سياسياً ضيقاً، بل إنسانيًا خالصًا، يذكّرنا بما تحدث عنه الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في مفهوم الواجب الأخلاقي: ذلك الإحساس العميق بالمسؤولية الذي ينبع من الداخل، لا ينتظر مكافأة ولا يخشى عقوبة، بل يقوم بالعمل لأنّه واجب في ذاته.

بعد الأردن، جاء الدور على إسبانيا، الدولة الأوروبية ذات التاريخ العريق والتجربة الديمقراطية الراسخة. فقد سارعت مدريد إلى المشاركة في الجهد الإنساني، لتؤكد أن القيم المشتركة لا تقف عند حدود الجغرافيا أو الدين أو اللغة.

 ما يميز إسبانيا في هذا السياق أنّ نظام الحكم فيها يقوم على تمثيل إرادة الشعب عبر مؤسساته المنتخبة، وحين قررت الحكومة الانخراط في هذه المبادرة، فإنّها عبّرت بحق عن إرادة مواطنيها. هنا تتجلى الديمقراطية في أبهى صورها: تطابق إرادة الشعب مع إرادة الحكومة، فلا تنفصل السلطة عن المجتمع، ولا تنطق إلا بلسانه.

هذه المبادرات الأردنية والإسبانية تعكس في جوهرها ما يمكن أن نسميه "الإنسانية الفاعلة"، التي تتجاوز الحسابات السياسية الباردة إلى دفء الضمير الحي. والأجمل أنّ اللقاء بين البلدين لا يقف عند السياسة، بل يتجلى حتى في اللغة. فكثير من الكلمات العربية لها ما يقابلها في الإسبانية نتيجة التفاعل التاريخي بين العرب والأندلس، مثل almohada (المخدة)، وaceituna (الزيتون)، وazúcar (السكر). إنها كلمات تنطق اليوم من جديد لتؤكد أنّ الروابط بين الشرق والغرب لا تنحصر في الماضي، بل تمتد إلى الحاضر والمستقبل.

وهكذا، فإنّ شعار "الأردن أولاً" لم يكن شعاراً داخلياً فحسب، بل تجسّد في فعل خارجي يضع الإنسان في المقدمة. وإسبانيا بدورها أثبتت أن الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل منظومة قيم تدفع الشعوب إلى العمل الإنساني حين تقتضي الحاجة. في نهاية المطاف، تلتقي الإرادتان الأردنية والإسبانية عند نقطة واحدة: أن الإنسانية أولاً، وقبل كل اعتبار.

هناك عدد كبير من الكلمات المشتركة بين العربية والإسبانية تعكس قيم الإنسانية والعطف والمحبة، وصلت إلى الإسبانية من العربية عبر الأندلس. إليك مجموعة مختارة:

الكرامة → carisma (كاريزما، جاذبية إنسانية ووقار)
المروءة → morosidad (من moros، فيها معنى الشهامة والنجدة)
العطف → atifar (أصلها من العطف، بمعنى الميل والحنو)
الرحمة → rahmán (استعملت في التراث الأندلسي بمعنى الرحمة الإلهية)
المحبة → mahaba (من المحبة، استعملت في الأندلس بمعنى الحب والصداقة)
الأخوة → alhuzua (مشتقة من الأخوّة، وردت في النصوص القديمة)
الأمانة → amán (الأمان، الاستقرار والثقة)
الصفاء → safí (من الصفاء والنقاء).
هذه الكلمات ليست كلها متداولة اليوم في الإسبانية الحديثة كما هي، لكن كثيراً منها بقي حيًّا ، وهي تحمل روح الرحمة، العطف، والإنسانية التي نشاهدها اليوم عبر اسقاط المعونات على غزة.