نبض البلد -
الشرفات: غياب القاعدة الفكرية يعمّق الأزمة
الشديفات: الشباب بحاجة لمعرفة أكبر بالهوية السياسية
الأنباط- الاف تيسير
في وقت يشهد فيه الأردن حراكاً متسارعاً نحو التحديث السياسي، تتجه الأنظار إلى ملف اندماج الأحزاب باعتباره اختباراً حقيقياً لمدى قدرة القوى السياسية على الانتقال من حالة التشرذم إلى العمل المؤسسي الفعّال. ويرى خبراء أن هذا المسار لا يزال محفوفاً بالعقبات، سواء على مستوى البنية الداخلية للأحزاب أو في ما يتعلق بوعي الشباب ومشاركتهم السياسية، ما يجعل من قضية الاندماج محوراً أساسياً في النقاش العام حول مستقبل الحياة الحزبية.
الشرفات: اندماج الأحزاب يحتاج إلى قاعدة فكرية مشتركة لا مصالح شخصية
قال عضو مجلس الأعيان السابق طلال الشرفات إن نجاح عملية اندماج الأحزاب يستند بالأساس إلى وجود قاعدة فكرية أو تنظيمية مشتركة بين حزبين أو أكثر، وهو ما يختصر الجهد ويتيح مقاربات أكثر وضوحاً في العمل الحزبي. لكنه أكد أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن كثيراً من الأحزاب ما تزال تقوم على اعتبارات شخصية أكثر من اعتمادها على أسس فكرية أو برامجية واضحة.
وأوضح الشرفات أن الاندماج الفعلي يتطلب قناعة راسخة لدى القيادات الحزبية بجدوى وجود أرضية فكرية وتنظيمية وبرامجية مشتركة، بينما الواقع الحالي يكشف أن قرارات الاندماج غالباً ما تنطلق من مصالح ضيقة أو اعتبارات آنية لا علاقة لها بالفكر والتنظيم ووحدة البرامج.
الاستقالات والانقسامات نتيجة اندماجات غير مدروسة
وأشار الشرفات إلى أن بعض حالات الاندماج التي شهدتها الساحة الحزبية مؤخراً رافقتها استقالات وانقسامات داخلية، مبيناً أن هذه النتائج جاءت بسبب غياب التخطيط السليم، إذ تحولت بعض عمليات الاندماج – سواء بانضمام حزب إلى آخر أو بتشكيل كيان جديد – إلى ساحة لتوزيع المواقع والمكاسب الحزبية في المراحل الأولى، بدلاً من أن تكون خطوة استراتيجية لتحقيق وحدة فكرية وتنظيمية.
اليسار أصلح للتحالفات.. والوسط أمام اختبار البنية الداخلية
وأضاف الشرفات أن أحزاب اليسار تبدو أكثر قابلية للتحالفات السياسية من خيار الاندماج العضوي، موضحاً أن حصتها الاجتماعية لا تتجاوز 3% من المجتمع، ما يجعل انقسامها إلى كيانات صغيرة يقسم النسبة المحدودة أصلاً ويضعف فرصها في تحقيق نتائج ملموسة في الانتخابات. ونصحها بالتوجه نحو التحالفات المرحلية التي تستند إلى أرضية فكرية مشتركة، مشيراً إلى أن محاولات الاندماج السابقة داخل التيار اليساري انتهت غالباً بانشقاقات وتجاذبات داخلية.
أما بالنسبة لأحزاب الوسط، فرأى الشرفات أن رعاية الدولة لمسألة الاندماج قد تُنتج في بعض الأحيان اندماجات شكلية لا تعكس واقعاً فعلياً، مؤكداً أن هذه الأحزاب تعاني من مشكلات بنيوية داخلية تعيق قدرتها على الاندماج الفعلي، أبرزها غياب الديمقراطية في انتخاب القيادات وضعف الصلة بين القيادة والقاعدة الحزبية، وهو ما يحول دون إشراك الهيئة العامة في صنع القرار وتحمل المسؤولية.
الاندماج ضرورة لإنجاح التحديث السياسي
وشدد الشرفات على أن غياب الاندماج بين الأحزاب سيحول دون قدرتها على إنجاح خطة التحديث السياسي ومن ثم أداء دورها الحقيقي في عملية البناء الوطني. وأكد أن إمكانية الاندماج لدى أحزاب الوسط تبدو أكثر واقعية وفاعلية مقارنة بأحزاب اليسار، التي يميل مثقفوها إلى التمرد الفكري ويصعب إقناعهم بالاندماج العضوي، حتى وإن قبلوا بالتحالفات المرحلية.
وختم الشرفات بالقول إن المستقبل قد يفرض اندماجات اضطرارية على بعض الأحزاب نتيجة عجزها عن الاستمرار منفردة، ما يستدعي الدخول في حوارات معمقة تنطلق من إدراك الحاجة الملحة للاندماج، مع مراعاة التوازن بين المصالح الحزبية والبرامج المشتركة لضمان استمرارية العمل السياسي وتجنب الانقسامات والتلاشي.
اندماج الأحزاب ضرورة سياسية لتعزيز القوة الانتخابية
من جانبه، أكد المحاضر في التمكين السياسي والتنمية والمشاركة المجتمعية فارس متروك الشديفات أن اندماج الأحزاب يُعد ضرورة سياسية لثلاثة أسباب رئيسية. وأوضح أن السبب الأول يرتبط بتقييم نتائج الانتخابات النيابية السابقة، حيث أظهرت التجربة أن الأحزاب المتقاربة حين تندمج تصبح أكثر قوة وتحصل على فرص أكبر للفوز بالمقاعد الانتخابية.
وأضاف الشديفات أن الاندماج الحزبي يتخذ عدة أشكال، منها الائتلاف بين عدد من الأحزاب في تيار أو جبهة واحدة، ومنها الاندماج الكلي الذي يقوم فيه حزبان بتشكيل حزب جديد. وكشف عن وجود حوار سياسي قائم حالياً بين الحزب الوطني الإسلامي وحزب إرادة، بهدف الاندماج الكامل وتأسيس حزب مشترك جديد.
الاستقالات الحزبية… بين الهزائم الانتخابية والاختلافات الداخلية
وبيّن الشديفات أن الاستقالات من الأحزاب قد تنشأ لأسباب موضوعية مرتبطة بالانتخابات، مثل تقديم قيادة الحزب استقالتها اعترافاً بالهزيمة السياسية، وهو عرف ديمقراطي شائع في العديد من الدول. وأشار إلى مثال من الواقع الأردني، حين قدمت الأمين العام للحزب الديمقراطي الاجتماعي سمر دودين والمكتب السياسي استقالاتهم بعد الانتخابات، كخطوة متعارف عليها ضمن قواعد الديمقراطيات الحديثة.
أما الأسباب الداخلية المتعلقة بالحزب وكوادره، فأوضح الشديفات أنها قد تشمل اختلاف رؤى القواعد أو أعضاء الحزب مع قيادته، أو اكتشاف أن الحزب لا يعكس مصالحهم وطموحاتهم، خاصة بين فئة الشباب، حيث بعد مرور سنة أو سنتين من عملية التحديث السياسي قد يشعر البعض أن الحزب لم يعد يعبر عنهم فيسعون للانضمام إلى حزب آخر.
السياحة الحزبية والتنقل بين الأحزاب تعكس ضعف الهوية السياسية للشباب
وأشار الشديفات إلى أن ظاهرة "السياحة الحزبية” ظهرت في السنوات الأخيرة، حيث ينتقل المواطن من حزب إلى آخر بشكل متكرر، ويرجع ذلك غالباً إلى ضعف الهوية السياسية لدى الشباب وعدم وضوح أهدافهم من الانتماء الحزبي، إذ يظن البعض خطأً أن الحزب وسيلة لتلبية مصالحهم الشخصية، بينما الحقيقة أن الحزب مؤسسة مجتمع مدني طوعية تعمل بطرق سلمية وتدافع عن رؤيتها السياسية أو الاقتصادية وتقدم برامج محددة لخدمة المجتمع.
معرفة الشباب بأساسيات العمل الحزبي والتنظيمي تمنع الاستقالات
ولفت الشديفات إلى أن ضعف فهم الشباب لهويتهم السياسية والاقتصادية يعد السبب الرئيسي وراء تنقلهم المستمر بين الأحزاب والاستقالات المتكررة. وأكد أن العمل الحزبي ليس مجرد الانتماء، بل هو تنظيم إداري له بعدان أساسيان: البعد التنظيمي والإداري، حيث يجب أن يكون لكل عضو دور فاعل داخل الهيكل التنظيمي للحزب، مع تحديد مهام ومسؤوليات واضحة، إضافة إلى الالتزامات العملية والمالية لضمان استمرارية النشاط الحزبي وتحقيق أهدافه.
الشباب في المكتب السياسي: ضرورة الخبرة والمهارات القيادية
وشدد الشديفات على أن الشباب والشابات الذين يطمحون لشغل مناصب في المكتب السياسي يجب أن يمتلكوا القدرة والخبرة والمعرفة اللازمة، موضحاً أن العديد منهم حصلوا على مناصب دون امتلاك الأسس والخبرات القيادية الضرورية. وأكد أن أي رحلة حزبية لا يمكن أن يقودها شخص يفتقر إلى المهارات والأدوات والخبرة في العمل السياسي، مشدداً على أهمية المشاركة في برامج تدريبية لتعلم أسس الممارسة الحزبية، مثل الوعي بقوانين الأحزاب والانتخاب والدستور الأردني وقوانين الإعلام وحق الحصول على المعلومات والجرائم الإلكترونية.
التسلح بالمعرفة القانونية والاقتصادية أساس ممارسة السياسة الفاعلة
ولفت الشديفات إلى أهمية المعرفة بالاقتصاد السياسي وفهم الاقتصاد الأردني، قراءة الموازنة العامة للدولة، ومتابعة الإنفاق العام، إضافة إلى الإلمام بالتنمية المحلية وفهم التعدد والتنوع في المجتمع الأردني، باعتبارها عناصر أساسية لممارسة السياسة بشكل فعال ومسؤول.
أزمة الهوية الحزبية: معرفة مكونات المجتمع شرط لتحديد الأهداف والطموحات
وأكد أن معرفة مكونات المجتمع الأردني السياسية والاقتصادية والاجتماعية أمر أساسي لتجنب أزمة الهوية الحزبية، إذ إن معرفة الشباب لهويتهم وحزبيتهم تمكّنهم من تحديد أهدافهم وطموحاتهم بوضوح، وإلا فإنهم يظلون "هشيناً” على المستوى الحزبي.
الأحزاب اليسارية: التقليدية والوسطية وجهود الدمج والتحالفات
وأشار الشديفات إلى أن الأحزاب اليسارية تُصنّف إلى نوعين: اليسار التقليدي ويشمل الحزب الشيوعي، وحزب الوحدة الشعبية، والحزب الشعبي الديمقراطي، ووسط اليسار ويضم الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب المدني. وأوضح أن هناك جهوداً مبذولة لإندماج الحزبين…