نبض البلد - الأردن والسباق الرقمي: من المدارس الذكية إلى العاصمة الرقمية … العقبة
عماد عبدالقادر عمرو
رئيس مجلس محافظة العقبة سابقًا
رئيس لجنة البيئة البحرية والشواطئ
يشهد العالم ثورة رقمية غير مسبوقة في مجال التعليم، حيث أصبح إدماج الذكاء الاصطناعي والمناهج الرقمية ضرورة لا خيارًا. الأردن بدأ خطواته في هذا السباق، لكنه يدرك أن العالم لن ينتظر، وأن التأخر في اعتماد الرقمنة يعني فقدان الريادة الأكاديمية والمعرفية.
إدخال مساقات رقمية في المدارس الأردنية ابتداءً من العام الدراسي الحالي يمثل انتقال الأردن من التخطيط إلى التنفيذ العملي، بما يحمله من آثار تعليمية واقتصادية واجتماعية ووطنية. فقد تحول التعليم من التلقين إلى بيئة تفاعلية تحفّز الإبداع والتفكير النقدي، وتعد جيلًا قادرًا على تلبية احتياجات سوق العمل الرقمي المتنامي، مع تقليص الفجوة الرقمية بين الطلبة وتعزيز العدالة التعليمية، وتأكيد أن الاستثمار في الإنسان هو الثروة الأهم للأردن.
سمو ولي العهد شدد خلال اجتماع في الديوان الملكي قبل أسابيع على أن التحول الرقمي في التعليم جزء أصيل من الرؤية الوطنية لبناء تعليم عصري يواكب الثورة الصناعية الرابعة، بينما تعمل وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الرقمي على تدريب المعلمين وتمكين الطلبة من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في بيئة تعليمية متطورة. لضمان استدامة هذا التحول، تبرز الحاجة إلى إنشاء مديرية متخصصة للتحول الرقمي داخل وزارة التربية والتعليم، تتولى تطوير المناهج الرقمية وتدريب الكوادر وبناء البنية التحتية التقنية، بما يحول الرقمنة من مبادرات جزئية إلى مسار وطني متكامل.
في إطار هذه الرؤية، تتقدم العقبة لتكون العاصمة الرقمية للأردن، بما تمتلكه من موقع جغرافي استراتيجي كبوابة بحرية واتصال إقليمي، وبنية اقتصادية واستثمارية قادرة على جذب الشركات التكنولوجية، فضلاً عن قدرتها على تحويل مدارسها وجامعاتها إلى مختبرات حية للتعليم الرقمي، وتحقيق أثر وطني من خلال تحولها من "منطقة اقتصادية خاصة” إلى "منطقة رقمية خاصة” يعزز مكانة الأردن في مجال المدن الذكية.
ورغم الإنجازات، تواجه الرقمنة تحديات جدية تشمل تفاوت البنية التحتية بين المدن والقرى، الكلفة المالية العالية المطلوبة، نقص تدريب المعلمين وتأهيلهم، الفجوة الرقمية بين الطلبة، غياب تشريعات واضحة، ندرة المناهج الرقمية العربية، وقلق بعض أولياء الأمور من تأثير الأجهزة على الانضباط وسلوك الطلبة. ومع ذلك، يعي معظم أولياء الأمور أن التعليم الرقمي أمر لا مفر منه، فالمتفائلون يرون فيه فرصة لمهارات المستقبل، والمتحفظون يطالبون بضمان بيئة آمنة، في حين يقبل البراغماتيون الرقمنة شرط وجود أدوات حقيقية ومتكاملة.
الطلبة الأردنيون أثبتوا قدرتهم على المنافسة عالميًا في مسابقات الروبوت والبرمجة مثل Robofest World Championship، ما يعكس أن العقول الأردنية قادرة على التميز متى ما توفرت البيئة المناسبة. إن تضافر جهود القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية والخبراء الأردنيين في الداخل والخارج هو الضمانة الحقيقية لإنجاح هذا المشروع، فالذكاء الاصطناعي في التعليم ليس مجرد نقلة تقنية، بل خيار استراتيجي لبناء جيل مسلح بالعلم والمهارات قادر على قيادة الاقتصاد الوطني في عالم سريع التحول.
اليوم، ومع دخول التعليم الأردني عصر الذكاء الاصطناعي، وبروز العقبة كعاصمة رقمية مرتقبة، يتشكل مشروع وطني جامع قادر على وضع الأردن في الصفوف المتقدمة عالميًا في مجال التعليم الرقمي والمدن الذكية، ومع رؤية ملكية ملهمة وعقول أردنية مبدعة، يمكن تحويل هذا المشروع إلى قصة نجاح وطنية تجعل الأردن منارة للعلم والإبداع والابتكار.