إغلاق 30 فندقًا في البترا.. المدينة الوردية تتآكل سياحيًا وسط إنكار حكومي

نبض البلد -

 

هلالات: نسب الإشغال الفندقي في البترا تقارب الصفر

أبو ديه: الأرقام الحكومية عن عدد الزوار "مجردة ولا تعكس الواقع

 

الأنباط – مي الكردي

 

لا تقتصر آثار الحروب على الدمار والدخان، بل تمتد لتمسّ قطاعات حساسة كالسياحة، التي تبدو اليوم في الأردن أمام أزمة غير مسبوقة، تتجلّى بشكل صارخ في مدينة البترا، أحد أهم المقاصد السياحية عالميًا، والتي تعاني اليوم من انهيار شبه كامل في النشاط السياحي، وسط ما يصفه العاملون في القطاع بـ”الإنكار الحكومي”.

 

وفي مؤشر على عمق الأزمة، نظّم عدد من ممثلي الجمعيات السياحية وأصحاب الفنادق في البترا وقفة احتجاجية مؤخرًا، طالبوا خلالها بإقالة وزيرة السياحة والآثار لينا عنّاب والأمين العام للوزارة، احتجاجًا على ما وصفوه بـ”الفجوة بين الأرقام الرسمية والتدهور الفعلي على الأرض”، مطالبين بتصنيف البترا كأكثر مدينة سياحية تضررت منذ اندلاع الحرب على غزة.

 

ووفق بيانات وزارة السياحة والآثار، فقد بلغ عدد زوار المملكة خلال النصف الأول من العام الحالي (كانون الثاني – حزيران) نحو 3.292 مليون زائر، بزيادة نسبتها 18% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024. كما استقبل الأردن خلال شهر حزيران وحده 595 ألف زائر، بارتفاع 8% عن الشهر ذاته من العام الماضي.

 

هلالات: البترا في أسوأ حالاتها.. والإشغال الفندقي شبه معدوم

 

لكن هذه الأرقام لم تنعكس إيجابيًا على الواقع السياحي في البترا، بحسب نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية حسين هلالات، الذي وصف المدينة بأنها "تمر بأسوأ ظروفها منذ عقود”، حيث لا تتجاوز نسب الإشغال الفندقي فيها 5%، وقد تقارب الصفر فعليًا، في ظل غياب شبه كامل للحجوزات المستقبلية، وإغلاق أكثر من 30 فندقًا حتى الآن، وسط مؤشرات على توسع الأزمة.

 

وقال هلالات لـ”الأنباط”، إن القطاع السياحي في البترا خاطب الحكومة مرارًا دون أي استجابة، رغم مناشداته المتكررة عبر الصحف والقنوات الرسمية. وأكد أن الأزمة تعكس عدم تعاون وزارة السياحة مع القطاع وعدم اعتراف الحكومة بحجم الضرر الواقع عليه.

 

ودعا هلالات إلى اعتراف حكومي صريح بالأزمة بدلًا من الاستمرار في نفي وجودها، مؤكدًا أن الضرر ناتج عن ظروف إقليمية خارجة عن الإرادة، ما يعني ضرورة تحمّل الحكومة لمسؤوليتها في توفير الدعم والمساندة للقطاع.

 

وأشار إلى أن المطالب لا تتعلق بتعويضات مالية بقدر ما تتمحور حول تسهيلات ملموسة، مثل مساهمة الحكومة في تغطية رواتب العاملين، وجدولة الديون المستحقة على المنشآت، وتقليل انقطاع الكهرباء المتكرر عن الفنادق المتعثرة اقتصاديًا.

 

وكشف هلالات أن بعض الفنادق resorted to الاقتراض لدفع الرواتب، غير أن صعوبة تسديد الأقساط أدت إلى إدراجها على "القائمة السوداء” (Black List)، ما فاقم الأزمة.

 

أبو ديه: أرقام الزوار لا تعكس الواقع.. ومعظمهم "عابرون

 

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي منير أبو ديه إن الأرقام الرسمية التي تعلنها وزارة السياحة لا تعكس بدقة الواقع السياحي، واصفًا إياها بأنها "مجردة” لأنها تشمل حتى العابرين عبر الأراضي الأردنية من غير السائحين الفعليين.

 

وأوضح أن أعدادًا كبيرة من الزوار تم تسجيلها ضمن حركة الترانزيت، خصوصًا من السوريين العائدين إلى بلادهم عبر الأردن نتيجة غياب الطيران المباشر، فضلًا عن الزوار القادمين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذين يستخدمون الأردن كممر لا كوجهة سياحية.

 

وأشار أبو ديه إلى أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية أسهمت أيضًا في إغلاق مطارات عدة في المنطقة، ما دفع المسافرين لاستخدام مطار الملكة علياء الدولي، ما زاد أعداد العابرين دون أن تستفيد المرافق السياحية من هذه الزيادة.

 

ودعا أبو ديه إلى إعادة تعريف مفهوم "السائح” في الإحصاءات الحكومية، والفصل بوضوح بين الزوار العابرين والمقيمين فعليًا لاستخدام المرافق السياحية.

 

مُعوّقات مزمنة تؤثر على القطاع

 

وأكد أبو ديه أن القطاع السياحي الأردني يعاني أصلًا من مشاكل مزمنة، أبرزها ارتفاع الكُلف التشغيلية وكلف النقل الجوي، وغياب الانفتاح على شركات الطيران منخفض التكاليف، فضلًا عن كون مطار الملكة علياء يُعد من الأعلى من حيث الضرائب في المنطقة.

 

ولفت إلى ضرورة إعادة فتح مطار عمّان المدني لاستقبال طيران اقتصادي يشجع السياحة، مشددًا على أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تسويق الأردن سياحيًا بشكل احترافي، في حين نجحت دول الجوار في تجاوز تحديات الحرب وتسويق نفسها كوجهات سياحية جاذبة.