الطائرة الشبح: حين يصبح العلم درعاً وسيفاً

نبض البلد -
الطائرة الشبح: حين يصبح العلم درعاً وسيفاً
بقلم: الدكتورة حمده سميح البيايضة
في زمن لا يرحم الضعفاء، تتسابق الأمم نحو امتلاك أدوات التفوق، لا بالسيوف ولا بالرايات، بل بالعقول والعلم والتكنولوجيا. تقف الولايات المتحدة الأمريكية في طليعة هذه الدول، وقدمت نموذجاً مذهلاً في الاستثمار بالعلم والمعرفة، يظهر بوضوح في صناعاتها العسكرية، وعلى رأسها الطائرة الشبح (Stealth Aircraft)، التي تعتبر من أعقد وأخطر ما وصلت إليه تكنولوجيا الطيران في العالم.
ما هي الطائرة الشبح؟
الطائرة الشبح ليست طائرة عادية، بل هي مقاتلة حربية مصمّمة لتكون غير مرئية للرادارات وأنظمة المراقبة الجوية وحتى الأقمار الصناعية، بفضل تقنيات التخفي المتقدمة التي تعتمد على:
- تصميم خاص يمتص موجات الرادار ويمنع ارتدادها، مما يصعّب كشفها.
- استخدام مواد ماصة للموجات الكهرومغناطيسية بدل المواد المعدنية العاكسة.
- هندسة زوايا الطائرة بطريقة تقلل من ظهورها على أجهزة الاستشعار.
- نظام تبريد خاص يقلل من البصمة الحرارية للطائرة ويجعل تتبعها بالأشعة تحت الحمراء شبه مستحيل.
- بصمة صوتية منخفضة تجعل من الصعب كشفها عبر أنظمة الصوت والرصد الجوي.
هذه الطائرات، مثل طراز F-22 Raptor وB-2 Spirit الأمريكية، يمكنها التسلل إلى عمق أراضي العدو دون أن يتم رصدها، وضرب الأهداف الحساسة بدقة والعودة دون أن يشعر بها أحد، حتى أن بعض الأقمار الصناعية لا تستطيع تحديد موقعها بدقة إلا إذا كُشف غطاء التخفي مؤقتاً.
الفرق بيننا وبينهم؟ الاستثمار في العقول
ما وصلت إليه الولايات المتحدة في مجال الطيران والتكنولوجيا العسكرية لم يكن وليد الحظ أو الصدفة، بل هو نتاج مئات المليارات من الدولارات التي تُضَخ في مراكز البحث العلمي، وتُصرف على العلماء والباحثين. هؤلاء لا يُكرَّمون فقط، بل يُمنحون أدوات التقدُّم: الميزانيات، الوقت، الاحترام، والمساحة للتجربة والخطأ والابتكار.
في المقابل، نحن في العالم العربي – ويا للأسف – لا نزال نُغرق في ثقافة التلميع السطحي. نُخصص الملايين لتكريم فنان بعد مسلسل، أو نحتفي بلاعب سجّل هدفاً في مباراة، بينما يتم تهميش الباحث، ونرى العقول العربية تهاجر بحثاً عن بيئة تقدّر جهدها.
كم من عبقري عربي غادر الوطن ليبدع في مختبر أجنبي؟ وكم من فكرة لو احتُضنت لأنتجت شيئاً يُضاهي الطائرة الشبح أو أكثر؟
العلم هو الطريق الوحيد
لسنا بحاجة لطائرات شبح فقط، بل نحن بحاجة لفكر شبح... لا يُرصد، لا يُوقَف، ولا يُهزم. نحن بحاجة إلى بيئة تُكرم الفكرة لا الشهرة، وتستثمر في المختبر كما تستثمر في المنصة.
التفوق اليوم لا يأتي من فوق المنابر، بل من تحت المجاهر. والسيطرة ليست لمن يملك العدد، بل لمن يملك العِدّة. العالم يطير بسرعة الطائرة الشبح، فهل سنبقى نحن على الأرض نصفق؟