نبض البلد -
حاتم النعيمات
من المهم باعتقادي تسليط الضوء على جلسات مجلس الوزراء التي تعقد في المحافظات، فهذه الجلسات تخدم فكرة التواصل الميداني الحقيقي بين الحكومة والأطراف، وتقلل من المركزية المُفرطة التي يعاني منها الجسم الإداري الأردني، وأقصد هذا الوجه من المركزية الذي تسبب بتكدُّس الاهتمام في العاصمة وظهور فروق تنموية واضحة بينها وبين معظم المحافظات.
الوضع التنموي في المحافظات يحتاج لقرارات جريئة وحادة، وهذا ما لمسته من هذه الحكومة بكل حيادية ودون أي مبالغة، فقد قدمت الحكومة في الزيارة الأخيرة لمحافظة الطفيلة -على سبيل المثال لا الحصر- حزمة من الإعفاءات الجريئة (بالنسبة لإعفاءات الحكومات السابقة) شملت تخفيضات لغاية 50% على أسعار الأراضي في المدينة الصناعية، وشملت أيضًا إعفاءات كاملة من تكاليف الكهرباء لمدة ثلاث سنوات لأي مستثمر مستجد على أرض المدينة، بالإضافة إلى دعم الإقراض الزراعي هناك بما يقارب الـ 2.3 مليون دينار والعديد من المشاريع الأخرى التي ستشجع وتعزز النشاط التنموي في هذه المحافظة التي تعاني من ظروف صعبة منذ سنوات.
الإعفاءات مهمة لتدوير عجلة الاقتصاد وجعله قادرًا على استيعاب فُرص العمل وعلى تحمُّل ثقل ضريبة الدخل، إذا لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستمرار في الاعتماد على ضريبة المبيعات بنسبة 66%من الجسم الضريبي في مقابل 34% لضريبة الدخل، فهذا تشوُّه أقرت به حكومات سابقة وانعكست آثاره السلبية على نسب التضخم وتآكل الدخول، فالأصل أن تكون نسب التحصيل الضريبي معكوسة بين النوعين (الدخل والمبيعات) وذلك حسب تصريحات صادرة عن حكومة الدكتور عمر الرزاز قبل سنوات.
الحكومة الحالية تتحرك بخفة ضمن المساحة المتوفرة لإنعاش التنمية في الأطراف، وهذا واضح ليس من خلال جلسات مجلس الوزراء في المحافظات فقط، بل من خلال الزيارات الميدانية لرئيسها الذي بدا عليه الاهتمام بالتفاصيل أكثر من العناوين، وهذه بالمناسبة طريقة ذكية لجمع البيانات الدقيقة عن قرب بعيدًا عن الوسطاء أو عن الفلترة البيروقراطية.
نهج الحكومة الحالية مبشّر، فهي لم تتصادم مع الناس في الملفات الحياتية (باستثناء قانون ضريبة الأبنية الذي تم سحبه) ، فقد بدأت عهدها بحل أزمات مثل أزمة جمرك السيارات الكهربائية وقدمت بعض الإعفاءات التي تخص غرامات الترخيص وغيرها، القصد هنا ليس مدح الحكومة بقدر ما هو تسليط للضوء على ما هو إيجابي والتأكيد على أن تحريك الاقتصاد هو جوهر عملها ومبتغاها كما يظهر لنا بعد أشهرٍ على تشكيلها.
ولكن هذا النهج يحتاج لضمانات بأن يستمر سواء خلال مدة هذه الحكومة وما بعدها، وبصراحة أكثر، أتمنى ألا يكون هذا الأسلوب في الإدارة مجرّد نمطٍ خاصٍ بالرئيس حسان وفريقه فقط، لأن مشاكل التنمية في الأردن قديمة ولا يكفي معها اجتهاد حكومة واحدة، ولأن هذه المنطقة سيسود فيها فقه "الدولة الوطنية الفردانية" مستقبلًا وهذا الكلام ليس رجمًا بالغيب بل بالاعتماد على مؤشرات واضحة مثل انكفاء الكثير من دول الجوار على مشاريعها الداخلية.
الملفات كبيرة ومعقدة أمام هذه الحكومة ولعل أهمها هو ملف النقل بين العاصمة والمحافظات والذي أعتقد أنه سيُكمل جهود وطموحات الرئيس حسّان في تذويب التنمية من العاصمة باتجاه المحافظات والأطراف، فالنقل يعني تخفيف الضغط السكاني على العاصمة ويعني تسهيل الوصول إلى فرص العمل وعوائد التجارة والصناعة إلى أبعد نقطة خارج العاصمة. ولا أقصد هنا إضعاف التنمية في العاصمة لصالح المحافظات أبدًا، ما أقصده هو أن هذه البؤرة التنموية المتركزة في عمّان هي عبارة عن تشوُّه يُنتج تمايزات غير صحية في بقية أنحاء المملكة.
صحيح أن هذه الحكومة تتحرك في مساحة متواضعة، لكنها بكل أمانة تُحسن استغلال هذه المساحة بذكاء، ولأول مرة -في حدود معرفتي- يتم توجيه بند المصروفات الرأسمالية الموجود في الموازنة العامة باستخدام معلومات يجمعها الرئيس ووزرائه من الميدان مباشرة عبر جلسات المحافظات والزيارات الميدانية الدورية.
مشاكل الأردن ليست مستعصية كما يعتقد البعض، لكنها طويلة الأمد بسبب الظروف المحيطة وتأثيراتها علينا، لذلك فالحاجة اليوم إلى إدخال الذكاء الإداري إلى رأس المال الوطني أصبحت مُلحة خصوصًا إذا ترافقت مع تقوية بالاقتصاد المادي الملموس المتمثل في الاستخراج والتعدين والزراعة والموارد البشرية.