غياب من المرض وعودة مع الاستقلال

نبض البلد -

عمر كلاب

على مدار سنوات ثلاث وأنا أعاني من احتلال استوطن جسدي, فيروسات الحقت التهابات بالأعصاب والعضلات, جعلتني أنوء بحمل جسدي, وأمشي مثل غصن معوج, استهلكت كل أنواع العلاجات والأدوية التي وصفها أطباء الأعصاب والروماتيزم, دون فائدة, خضعت لمئات الجلسات من العلاج الطبيعي, وفشلت كل أجهزة المقاومة في تحرير الجسد من الاحتلال, إلى أن جاء الفرج مع أول أيار, على يد أطباء خرجوا لتوهم من مؤسستنا العريقة, الخدمات الطبية, الذين اكتشفوا العلة, في مستشفى الرشيد, ثم جاء العلاج المناعي, في مستشفى الأمير حمزة, الذي يوفر الدواء لكل محتاج, وبجودة طبية فائقة.

غبت عن الكتابة, وغبت عن الشاشة وميكرفون الإذاعة, وربما هذا كان أصعب من المرض, فالغياب عن الاشتباك بعد ثلاثة عقود ونيف, صعب جدًا, خفف صعوبتها مواقف الزملاء والأصدقاء والمتابعين, واليوم ومع فجر الاستقلال الوطني العظيم, جاءت بواكير استقلال الجسد من الأمراض والأعباء, فشكرًا لله أولًا وآخرًا, وشكرًا لكل من سأل أو زار أو اطمأن, وشكرًا لكوادرنا الطبية, في المؤسسات الرسمية, الصحة والخدمات, وشكرًا للدولة, التي تستطيع أن توفر أدوية باهظة الثمن بالمجان, ومن هنا سأدلف إلى قراءة الاستقلال العزيز, استقلال الجسد واستقلال الوطن.

في وطن يئن من جَور الجيرة, وقلة الموارد, اختلفنا ذات زيارة إلى العقبة, على أي طريق نسلك, الزارة أم الصحراوي, وكذلك الحال عند التفكير بزيارة محافظات شمال القلب, ولا تهدأ الهواتف التي تطلب التدخل, لنقل إعفاء إلى مركز الحسين للسرطان, أو إلى الخدمات الطبية أو إلى مستشفيات الجامعات, والإعفاء الطبي لغير الحاصل على تأمين يستغرق ساعة بأكثر الأوقات, والجامعات في كل المحافظات, أي أن الأردن يمتلك بنية تحتية توازي أو تحاكي إمكانية دول الرفاه والوفرة المالية, لكنها أعلى بالكفاءة الوطنية للأبناء في مختلف التخصصات.

المدارس والمراكز الصحية ومكاتب الخدمات, منتشرة في كل المحافظات, وننتظر المزيد, نعيش حالة أمن اجتماعي وسياسي, في إقليم يرزخ من ثقل الأوزار, نمتلك حدًا معقولًا من شبكة نقل آمنة ومقبولة الكُلفة, مستوى الخدمات العامة قياسًا بالاتساع الجغرافي والتعداد الديمغرافي مقبولة أيضًا, فنحن الوطن الوحيد الذي لا يملك رفاه النمو السكاني الطبيعي, منذ التأسيس وحتى اليوم, ومع ذلك كله ما زال وسيبقى, في سراجنا زيت يستضاء به, ولن نقول لطارق بابنا, عُد من حيث أتيت, وسيبقى الصدر قبل الباب مفتوحًا, حتى رغم إنكار كثيرين علينا ذلك.

هل كان بالإمكان أن نكون أفضل من ذلك, الجواب بكل يقين نعم, أزمتنا الكبرى في إدارة الموارد البشرية أولًا والاقتصادية ثانيًا, غابت الإدارة الحصيفة, ولم نُدر الملفات الخدمية بما تستحق, ننفق على الصحة والتعليم والنقل مبالغ طائلة, لكن الأثر محدود على المواطن, وهنا وجبت المراجعة, فالاستقلال وإن كان يستحق الاحتفاء والفخر, لكنه يستوجب المراجعة, تحديدًا ونحن نرى حركة حكومية تبشر بخير, في ملفات متعددة, ووجب علينا إسقاط جملة الإقليم وتقلباته, فنحن اعتدنا العاصفة وعينها, والنجاح كل النجاح في ترتيب الشأن الداخلي, وهذا بيدنا ولا نحتاج فيه إلى أحد.

استقلال وذكراه, في زمن صعب, ومجابهات عديدة, في الداخل والخارج, وثمة رياح سموم تهب علينا من جهات كثيرة, لكن كل ذلك لن يجعلنا نضعف أو نستكين, فما زال ثالوثنا بكل خير انفة, عرش وجيش وشعب واحد موحد, وهذا هو سلاحنا الدائم والأزلي, مبارك الاستقلال, ومن حقنا أن نفرح ونحتفل بوطننا في استقلاله, وكل عام والأردن بألف خير.

omarkallab@yahoo.com