هل أدركنا أن أزمة التنظيم تركيبية وليست سلوكية؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

بعد كل ما جرى منذ كشف الخلية الإخوانية توقع الكثيرون أن خطاب التنظيم الذي اعترفت الخلية بتبعيتها له سيتغير، ولكن الصدمة كانت عندما أجاب أحد قياداتهم سؤالًا عن سبب حظر الجماعة فقال حرفيًا على شاشة إحدى القنوات العربية المهمة: "إن الحظر تم لأنهم يعتقدون أن الإسلام يقف في مواجهة المشروع الأمريكي والصهيوني، والإسلام مستهدف وهم (الغرب) لا يريدون الإسلام". وهذه الإجابة ليست إجابة على موقف، بل هي إجابة من عمق أيدولوجيا التنظيم، لذلك يجب علينا أن نتأملها بجدية بحيث نفهم كيف يتصوَّر هذا التنظيم ذاته. الواضح أنه يرى نفسه ممثلًا حصريًا للإسلام عندما يربط حظره برفض الإسلام، وبأنه الوحيد القادر على مواجهة الصهيونية والمشاريع الأمريكية عندما يقول: أن ما فعلته الدولة الأردنية هو لإرضاء الغرب وليس بسبب حماية أمن ومصالح الدولة الأردنية.

من الواضح أن الخلل في فكر التنظيم تركيبي وليس سلوكي، أي أن علينا ألا ننتظر ردودًا مختلفة باختلاف الظروف من قبله، فهذا ما لديه فعليًا، والواضح أن "ميكانيزم" التفكير لديه لا تتغير؛ فبعد كل ما حدث توقعت أن يشهد فكره مراجعة، أو تغيرًا في الخطاب، ولكن ما صدر عن غالبية قياداته والمؤثرين فيه لا يعطي أي انطباع بأن هناك مراجعات، فذات خطاب احتكار الدين لا زال موجودًا ومصحوبًا بالمظلومية واتهام الدولة بالتبعية للغرب.
في مصر وتونس وغيرهما، استخدم التنظيم ذات الاستراتيجية، ومع أنه حصل على نتائج صفرية إلا أنه يعيد تكرار نفس الأسلوب في الأردن، مع أن الدولة الأردنية تصرفت وفقًا للقانون وبعد اعترافات واضحة ومضبوطات لا يمكن التشكيك فيها إلا أن خوارزمية تفكير عقل التنظيم لا يمكن تصحيحها أبدًا.

والسؤال الآن، هل فعلًا يقف هذا التنظيم في وجه التوسعية الغربية والمشاريع الصهيونية ؟ وللإجابة هذا السؤال نحتاج لجردة حساب تاريخية ولن أذهب لتاريخ بعيد بل سأرصد علاقة هذا التنظيم مع الولايات المتحدة قبل بداية الربيع العربية، حيث وقف الرئيس الأمريكي في جامعة القاهرة عام 2009 مخاطبًا العالم كله حيث قال حرفيًا: "إن علينا التصالح مع الإسلام السياسي"، وبعد ذلك أصدرت إدارة أوباما في عام 2010 توجيهًا سريًا يُعرف باسم "Presidential Study Directive-11” (PSD-11)، تم تسريبه عن طريق تقارير عديدة لاحقًا، حيث دعا إلى إعاد تقييم السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك الإخوان المسلمين، وبناءًا على هذا التوجيه تم دعم التنظيم في جميع الدول التي مسها "الربيع العربي" إلى أن قامت مصر بكسر المشروع وبدأ انهياره من ذلك الحين بتفتت التنظيم الدولي للإخوان الذي عادة ما تكون قيادته مصرية بحكم أن مصر هي بلد المنشأ له. بعد ذلك تم تهديد مصر بقطع المساعدات والصفقات، وتعرض النظام السياسي بعدها لعزلة امتدت لسنوات قبل أن ينكفئ مشروع أوباما وهيلاري كلينتون بقدوم دونالد ترامب في ولايته الأولى نهاية عام 2016.

وخلال فترة حكم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، تعاملت إدارة أوباما مع حكومته ليس كما تتعامل مع أي حكومة عادية، ضمن استراتيجية أعلنت في دراسة نُشرت في "LSE Research Online”، حيث سعت من خلالها الولايات المتحدة سعت إلى "ترويض الإسلام السياسي” بشكل عام من خلال الانخراط مع الإخوان المسلمين، معتبرةً أن هذا النهج قد يساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، أي أن الأمريكان كانوا يرون في الإخوان معولًا جيدًا لهدم العداء بين الكثير من المسلمين والغرب!

الخلاصة أن هذا التنظيم لا يمكن اعتباره عدوًا للأمريكان ولمشاريعهم، فهناك تعاون تاريخي في الكثير من المنعطفات التي مرت بها المنطقة، ولم ينقطع الاتصال بينه وبين الولايات المتحدة منذ الخمسينيات، وقد لعب التنظيم دور المولد الأهم للجماعات الراديكالية المسلحة لمواجهة المد الشيوعي سواء عسكريًا أو فكريًا، فلا ننسى كيف تسلّم هذا التنظيم ركن التزويد المادي في حرب أفغانستان التي كانت مقدمة لسيطرة الولايات المتحدة على العالم بعد هزيمة القطب السوڤييتي، ولا ننسى كيف استخدم خطابها لكسر المد الشيوعي في المنطقة مما أفقد العالم توازنه. ببساطة، التنظيم صرف كل قدراته الفكرية والتحريضية والجهادية في ميادين تخدم الأمريكان سواء بقصد أو بدون قصد.

عمليًا، وسأسرد المثال الأهم، فقد لعب فرع التنظيم في فلسطين وهو حركة حماس الدور الأساسي في إشعال الصراع مع حركة فتح على السّلطة، ونتج عن ذلك انقسام كارثي عزز قدرات وخيارات اليمين الإسرائيلي، تبع ذلك الانقسام مغامرات غير محسوبة مع الاحتلال الإسرائيلي إلى أن وصلنا إلى مشهد السابع من أكتوبر الذي أصبحت نتائجه واضحة، وإذا قيمنا الفعل السياسي بنتائجه، فإن نتائج أفعال هذا الفرع هزت المنطقة برمتها والمستفيد الأكبر كان الاحتلال للأسف.

في النهاية، فإن التصريحات الأخيرة هي رسالة للدولة الأردنية ليدرك صُنّاع القرار ألا تغيير على تفكير التنظيم رغم ما حدث، وأن استخدام قادته لذات المغالطات يعني أنهم ما زالوا متمسكين باستراتيجية تسميم العقل الجمعي بتصوير الدولة وكأنها الشر وأنهم هم الخير، وهذه الثنائية (ثنائية الشر والخير) هي الأداة الأهم في استيلاد التطرف والكراهية وبأقل الأثمان عند لحظة مناسبة تكون فيها الدولة في حالة ضعف لا سمح الله.