بين عمان ودمشق: دبلوماسية الفرصة الأخيرة

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران


رغم جراح الجغرافيا وندوب التاريخ، تعود العلاقات الأردنية السورية لتتحرك على طاولة الدبلوماسية في محاولة لإعادة ترميم ما هدمته سنوات القطيعة، والفوضى، والتدخلات الإقليمية والدولية. زيارة الوفد الأردني رفيع المستوى إلى دمشق، بقيادة نائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي، ليست زيارة بروتوكولية تقليدية، بل هي انعطافة سياسية تُقرأ بين سطورها رسائل أمنية واقتصادية، وربما – وهذا الأهم – محاولة لفرض واقع إقليمي جديد بأدوات التعاون لا التصادم.

خريطة طريق أم خريطة إنقاذ؟

ما أُعلن عنه من "خريطة طريق للتعاون” في قطاعات النقل، والطاقة، والصحة، والمياه، قد يبدو، في ظاهره، عنوانًا تقنيًا لملفات مشتركة، لكن الواقع يُشير إلى أن الأمر أعمق من ذلك. فالملفات التي تم الاتفاق على العمل عليها هي في جوهرها ملفات أمنية واقتصادية سيادية، لا يمكن مقاربتها دون تفاهم سياسي عميق يتجاوز الشكوك التاريخية بين البلدين.

الصفدي لم يُخفِ موقفه الواضح بأن "سوريا تحتاج فرصة للنجاح”، وهو تصريح يمكن أن يُقرأ كتحدٍ لمزاج دولي ما زال متمسكًا بسياسة العقوبات، أو كتأكيد على أن الأردن يدرك أن استمرار انهيار الدولة السورية يعني تدفقًا جديدًا من اللاجئين، وتصاعدًا في تهديدات الحدود.

أمن مشترك؟ نعم، لكن وفق أي منطق؟

تصريحات وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن "تهديدات أمنية مشتركة تواجه البلدين”، تعكس إدراكًا متبادلاً بأن الأمن الأردني والسوري مترابط، خاصة في ظل التهريب المنظم للمخدرات عبر الحدود، وانتشار الجماعات المسلحة في الجنوب السوري. لكن يبقى السؤال: هل ستُترجم هذه التصريحات إلى تعاون أمني فعلي؟ أم أن كل طرف ما زال يتعامل مع الآخر بحذر أمني مغلّف بلغة دبلوماسية؟

ماذا يريد الأردن… وماذا تريد دمشق؟

الأردن لا يبحث فقط عن حدود آمنة، بل عن مكاسب اقتصادية واضحة، أبرزها فتح خطوط التجارة البرية، وتمكين صادراته من الوصول إلى الأسواق السورية واللبنانية، وربما لاحقًا التركية. أما دمشق، فهي ترى في الأردن بوابة شرعية للخروج من عزلتها السياسية والاقتصادية، ورسالة مباشرة لواشنطن بأن الضغوط لم تثمر سوى المزيد من التعقيد.

لكن المشكلة لا تزال تكمن في غياب الضمانات: هل ستحترم دمشق ما يُتفق عليه؟ هل ستلتزم بالتعاون في ملف اللاجئين؟ وهل يمكن للاقتصاد السوري شبه المنهار أن يكون شريكًا حقيقيًا في هذه المرحلة؟

الطريق طويل… لكن لا بد من السير فيه

الاجتماعات الأردنية السورية في دمشق ليست نهاية الطريق، بل بدايته. وإن لم تُترجم الأقوال إلى أفعال، فإنها ستكون مجرد صورة دبلوماسية تُضاف إلى ألبوم العلاقات العربية التي تتجمل أمام الإعلام وتنهار خلف الكواليس.

وفي زمن تتغير فيه الخرائط وتُرسم فيه التحالفات بقلم الغاز واللاجئين والقلق الأمني، فإن على عمّان أن تتحرك بذكاء. فلا مكان في السياسة للمجاملات الدائمة، بل للمصالح الدائمة.