تفاعلات إقليمية متزامنة لكنها لا ترقى إلى مستوى مبادرة شاملة لحل جذري
الشوبكي: زيارة ترامب للخليج محاولة لإعادة ترتيب العلاقات الإقليمية
جبر: القضية الفلسطينية لم تحظَ بالمكانة التي تستحقها خلال زيارة ترامب للخليج
العابد: لا اختراقات بملف الهدنة بسبب تعنت نتنياهو وعدم الضغط الأمريكي على الاحتلال
الأنباط – رزان السيد
في ظل التصعيد المتواصل في غزة، والتحركات الإقليمية والدولية لاحتواء الحرب الهمجية التي يشنها الاحتلال على القطاع، يتساءل مراقبون حول وقف إطلاق النار ما إذا بات قريبًا؟ إذ أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الخليج وما رافقها من رسائل سياسية واضحة، تزامنت مع انعقاد القمة العربية في بغداد، التي أعادت تنشيط الدور العربي في الملف الفلسطيني.
هذا التزامن لا يبدو عابرًا، بل يشير إلى تحولات محتملة في مواقف بعض الفاعلين الإقليميين والدوليين، وسط حديث متزايد في الكواليس عن جهود حثيثة لوقف إطلاق النار، فهل تنجح هذه التحركات في وقف إطلاق النار؟
ويرى محللون سياسيون أن تلك التحركات المتزامنة، سواء زيارة ترامب إلى الخليج أو انعقاد القمة العربية في بغداد، تمثل مؤشرات على مرحلة جديدة من التفاعلات الإقليمية التي قد تُفضي إلى تهدئة مؤقتة في غزة، لكنها لا ترقى حتى الآن إلى مستوى مبادرة شاملة لحل جذري.
إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية
وفي هذا السياق، أوضح المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، في حديث له مع "الأنباط"، إن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للخليج، تعكس محاولة واشنطن في إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية بعد تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن هناك نقطتين رئيسيتين لهذه الزيارة، وهما أن الزيارة جاءت وسط تحولات في المواقف الخليجية تجاه واشنطن، خاصة مع تزايد التقارب بين بعض الدول العربية وروسيا والصين، إضافة إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى تقديم صورة بأنها تحاول إيجاد حلول للأزمة في غزة، رغم دعمها العسكري المستمر لإسرائيل، كما أن ترامب يحاول تعزيز مكانته دوليًا عبر هذه الزيارة، حيث قد تستخدم كأداة سياسية لتحسين صورته داخليًا.
وأضاف الشوبكي أن الزيارة ترتبط بشكل غير مباشر بتهدئة محتملة، لكن احتمالات نجاحها تعتمد على التوافق بين الفاعلين الرئيسيين، مؤكدًا بأن الكيان الصهيوني لم يظهر استعدادًا لتقديم تنازلات كبيرة، خاصة مع بدء عملية عسكرية واسعة النطاق، بالإضافة إلى أن هناك انقسامات داخل الفصائل الفلسطينية قد تؤثر على أي مفاوضات للتهدئة، وبعض الفصائل قد ترفض اتفاقًا بوساطة أميركية، بالمقابل، تلعب الدول الخليجية دورًا في الضغط نحو تسوية، لكن مدى تأثيرها يتوقف على مدى التنسيق بينها وبين واشنطن.
ولفت إلى أن القمة العربية التي جرت في بغداد، السبت، تحمل إمكانية دفع موقف عربي أكثر تنسيقًا تجاه العدوان على غزة، لكن التباينات السياسية بين الدول العربية لبعض الدول تدفع نحو موقف أكثر صرامة ضد الكيان الصهيوني، بينما تسعى دول أخرى للحفاظ على علاقاتها مع واشنطن.
وأكد أن فرصة التوصل إلى هدنة تعتمد على توازن القوى والضغوط الدولية، مشيرًا إلى وجود العديد من العقبات الرئيسية، والتي تشمل استمرار العمليات العسكرية الصهيونية، وهذا ما لا يشير إلى رغبتها في وقف إطلاق النار قريبًا، كما أن الولايات المتحدة تدعم الوساطة لكنها لم تضغط بشكل كافٍ على الكيان للقبول بهدنة طويلة الأمد، كما أنه يمكن أن تلعب دول مثل مصر وقطر دورًا في التوصل إلى هدنة مؤقتة، لكن ضمان تنفيذها سيكون تحديًا.
واختتم الشوبكي حديثه، بأن الدور الأميركي يتراوح بين احتواء التداعيات الإنسانية للحرب على غزة وبين دعم إسرائيل استراتيجيًا،متوقعًا بأنها قد تدفع واشنطن نحو وقف إطلاق نار محدود يسمح بالمساعدات الإنسانية، لكن دون تغييرات جوهرية في الوضع السياسي.
رؤية اقتصادية بحتة
ومن جانبها، أكدت أستاذة العلوم السياسية والمختصة بالشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، وعقد القمة الأمريكية الخليجية، جاءت ضمن رؤية اقتصادية بحتة، تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق مصالح أمريكية داخلية، وفي مقدمتها إصلاح الاقتصاد الأمريكي.
وأضافت جبر خلال حديثها لـ"الأنباط"، أن القمة لم تكن معنية فعليًا بالواقع السياسي العربي، وإنما جاءت كجزء من إعادة صياغة الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، ومحاولة استعادة النفوذ الأمريكي أمام تمدد كل من روسيا والصين في المنطقة، ورغم الطابع الاقتصادي الغالب على القمة، فإن بعض الملفات السياسية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كانت حاضرة، إن بشكل خجول ومحدود.
وأوضحت أن ترتيب أولويات القمة تم وفق الرؤية الخليجية التي تنادي بضرورة تفعيل الأثر السياسي الخليجي في قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأشارت إلى أن المملكة العربية السعودية وضعت شروطًا واضحة، مفادها أن أي مشاريع تطبيع مع الكيان الإسرائيلي لن تمر دون الاعتراف بمبدأ حل الدولتين، وضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لعام 2002.
ومع ذلك، رأت جبر أن القضية الفلسطينية لم تحظ بالمكانة التي تستحقها خلال القمة، حيث طرحت ملفاتها بشكل سريع وسط زخم المواضيع الاقتصادية، رغم تطلعات الشارع العربي بأن يكون هناك موقف واضح تجاه الانتهاكات في غزة، والدفع نحو إعادة إعمار القطاع، ووقف إطلاق النار.
وفيما يتعلق بفرص تحقيق هدنة في قطاع غزة، رأت جبر أن الضغط الأمريكي خلال الفترة الماضية كان واضحًا لإجبار الكيان على احترام هدنة سابقة تم التوصل إليها في يناير الماضي، لكنها لم تنفذ بشكل كامل، مؤكدة أن الولايات المتحدة لم تستخدم أدواتها للضغط الحقيقي على إسرائيل من أجل وقف الحرب أو فتح المعابر بشكل دائم.
وأضافت أن الإدارة الأمريكية تكتفي بتقديم المساعدات الإنسانية ووعود الإغاثة، دون أن يكون هناك موقف صارم تجاه التصعيد الإسرائيلي، مشيرة إلى أن ما يجري حاليًا هو تنفيذ لخطة إسرائيلية معلنة مسبقًا، ضمن سياسة تطهير عرقي، تهدف إلى إفراغ غزة من سكانها، تحت ذرائع أمنية وميدانية.
ولفتت إلى أن التوقيت الذي اختاره ترامب لزيارته الخليجية لم يكن صدفة، بل محاولة واضحة لإعادة تموضع الولايات المتحدة في المنطقة، وسحب البساط من تحت أقدام روسيا والصين، اللتان توسعتا في الاستثمارات والعلاقات التجارية بالمنطقة العربية في الآونة الأخيرة، ووصفت الزيارة بأنها إعادة ترتيب للأولويات الأمريكية، لا سيما وأن منطقة الخليج تشكل رأس المال السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، بما تمثله من نفط واستثمارات استراتيجية.
أما عن القمة العربية التي عقدت في بغداد، أكدت جبر أن غياب 16 رئيسًا عربيًا عنها أثر على زخمها، إلا أنها استطاعت الحفاظ على استمرارية الخط السياسي العربي فيما يخص القضية الفلسطينية، موضحة أن القمة ركزت على دعم جهود إعادة إعمار قطاع غزة، وتعزيز الوحدة الفلسطينية، وتبني مخرجات القمم السابقة، لا سيما قمة المنامة وقمة القاهرة الطارئة.
كما شددت القمة على أن حل النزاعات في المنطقة لا يمكن أن يتم دون إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تم التأكيد مجددًا على أولوية القضية الفلسطينية، وإدانة الاحتلال الإسرائيلي في جميع الأراضي المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة والجولان السوري المحتل وجنوب لبنان.
ورغم التصعيد العسكري المستمر في غزة، إلا أن جبر لم تستبعد أن يؤدي هذا الضغط إلى دفع الأطراف نحو مفاوضات جديدة، وأشارت إلى أن الانقسام داخل إسرائيل، خاصة بين القيادة السياسية والعسكرية، قد يؤدي إلى تراجع العمليات البرية في غزة، خصوصًا في ظل التصريحات التي صدرت عن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، والتي أقر فيها بعدم إمكانية تحقيق جميع أهداف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأكدت أن المقاومة الفلسطينية تدرك حجم الضغوط، لكنها لن تقدم تنازلات مجانية، مشيرة إلى أن أي تهدئة أو صفقة تبادل محتملة يجب أن تكون بضمانات دولية مكتوبة، وأضافت أن الولايات المتحدة تسعى حاليًا إما لإبرام صفقة مؤقتة تشمل إطلاق سراح المحتجزين، أو إلى التوصل إلى اتفاق وقف دائم لإطلاق النار مقابل تنازلات كبيرة في الضفة الغربية.
وفي ختام حديثها، شددت الدكتورة جبر على أن القضية الفلسطينية ستبقى الاختبار الحقيقي لمدى جدية المجتمع الدولي في إنهاء أزمات المنطقة، ورغم التحديات، فإن تطورات الميدان، والانقسامات داخل إسرائيل، والموقف الشعبي العربي، قد تفرض واقعًا جديدًا يعيد الاعتبار للحقوق الفلسطينية، ويقلب الطاولة على مشاريع التجاهل والتهميش.
أما المحلل السياسي، والباحث في العلاقات الدولية، نعمان العابد، فيرى أنه كان من المتوقع، خلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى المنطقة، أن يحصل اختراق في ملف الهدنة في قطاع غزة، إلا أنه وللأسف أمام رغبة بنيامين نتنياهو وحكومته في استمرار الحرب وعدم التوقف عن هذه الإبادة الجماعية، لم يتحقق ذلك.
وأكد العابد أن عدم الرغبة الأمريكية في الضغط الحقيقي على بنيامين نتنياهو، وكما يقال "قطع شعرة معاوية" معه، كل ذلك أدى إلى أن المفاوضات، التي كانت تجري في ظل زيارة الرئيس الأمريكي، وحتى ربما بتدخله شخصيًا أو بحضوره شخصيًا، لم تأتِ بالاختراق المأمول كما كان متوقعًا.
ومع ذلك، فإن المحاولات لا تزال تجري الآن من خلال التفاوض في قطر، ويبدو، حسب المعلومات المُرشحة، أن هناك اختراقًا ما قد حصل في هذه المفاوضات، ولكنها لم تصل بعد إلى النتيجة المحسومة، ويُعزى ذلك إلى تعنّت بنيامين نتنياهو، وعدم رغبته في وقف العدوان، ووقف الإبادة الجماعية، ووقف مخططات التهجير، ووقف سياسة التطهير العرقي.
ومن جهة أخرى، فإن العنوان الرئيسي لزيارة الرئيس الأمريكي كان الملف الاقتصادي والتعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين الدول التي زارها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ولا شك أن الرئيس الأمريكي كان واضحًا وصريحًا، حتى ما قبل زيارته، وأثناء الخطابات التي ألقاها في القمم الثلاث في الأردن، بأن الشغل الأساسي لديه ولدى الإدارة الأمريكية الحالية هو "أمريكا أولًا".
وأكد العابد في حديثه مع "الأنباط"، بأن جلّ ما يقوم به ترامب من خطوات، ومن زيارات، ومن اتفاقيات، سواء مع الدول الخليجية التي زارها أو مع غيرها من دول العالم، هو يصب بالتأكيد في المصلحة الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية، وهو يطبق فعليًا ما وعد به ناخبيه خلال حملته الانتخابية.
ولهذا، فإن هذه الإدارة الأمريكية تطبق نهج المصلحة الأمريكية العليا بكل وضوح وصراحة وجرأة. ولِنَكن صريحين، فإن هذه السياسات، نعم، تؤدي إلى نتائج إيجابية لصالح الاقتصاد الأمريكي، ولصالح الاقترابات التي تقوم بها هذه الإدارة في العديد من المناطق.
وتابع أن كل ذلك يأتي في ظل الصراع الدولي، وتحديدًا مع الصين، في الموضوعين الاقتصادي والاستراتيجي، وفي ظل محاولات الصين لإحداث اختراقات هنا وهناك، فإن هذا التحرك الأمريكي يأتي للتصدي للنفوذ الصيني، الذي أصبح له تأثيراته الواضحة والناشئة في المنطقة.
وأوضح بأنه قد كتبت الكلمة العربية في ظروف استثنائية، وفي ظروف بالغة الأهمية، في العديد من الملفات، وتحديدًا في موضوع استمرار الإبادة الجماعية، والأوضاع في سوريا ولبنان والعراق وغيرها من البلدان العربية، واليمن.
وبالتالي، فقد كان مأمولًا من هذه القمة العربية أن تكون نتائجها في مستوى هذه الأحداث، ولكن، في ظل بعض الخلافات العربية، وفي ظل تغيب العديد من القادة العرب عن الحضور، وفي ظل، ما يمكن تسميته بعدم تطابق وجهات النظر، حتى أن أمير قطر، الأمير تميم قد غادر الاجتماع قبل أن يبدأ بإلقاء كلمته.
وأشار الى أن ما جرى يعد تعبيرًا واضحًا عن وجود اختلافات واضحة في العديد من المواقف، مؤكدًا بأن القمة لم تكن على مستوى الأمل الذي كان يعقده عليها العديد من أبناء العالم العربي، وأيضًا الفلسطينيون، في سبيل التصدي لما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي، من دون اتخاذ موقف فعلي، أو وضع خطط فعلية، لوقف الحرب، ووقف الإبادة الجماعية.
إلا أن البيان الختامي اقتصر فقط على الدعوة لهذه الأمور، وبالتالي كانت هذه القمة، بنتائجها، دون المستوى المتوقع، وقال العابد:" لا شك أن الإدارة الأمريكية تحاول، بالتعاون مع حكومة بنيامين نتنياهو، تغيير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وهذا ما يصرح به بنيامين نتنياهو، في العديد من المرات، وفي العديد من المواقع والأوقات".
ولذلك، تسعى الإدارة الأمريكية إلى مزيد من محاولات التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبعض الدول العربية، وكما رشح من بعض المصادر، فإنه طلب ذلك من الرئاسة السورية الحالية كشرط لرفع العقوبات عنها، وللقبول بها في السياسة وفي التعامل الدولي.
وأوضح أن العائق الذي لا يزال قائمًا أمام هذه الإدارة هو طموح بنيامين نتنياهو وحكومته، في موضوع التوسع باستخدام القوة العسكرية، ومن خلال الإبادة الجماعية، ومن خلال مخططات التهجير، سواء داخل فلسطين أو في خارجها.
وبيّن بأنه ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية من محاولات لتبريد هذه النزاعات، حتى تستطيع استكمال مساعيها في موضوع تحويل دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى دولة طبيعية في المنطقة، لن يكتمل دون أن يدفع الكيان الإسرائيلي الأثمان المطلوبة، والتي من أهمها الموافقة على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وكذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.