اقتراحات لحماية الوظائف للأردنيين

نبض البلد -
د. أيوب أبو دية
في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والخريجين، باتت مسألة حماية سوق العمل المحلي أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل. ويُعدّ التوظيف غير القانوني للعمالة الوافدة أحد أبرز الأسباب التي تؤثر سلبًا على فرص العمل المتاحة للأردنيين، خاصة في قطاعات مثل البناء والمطاعم والفنادق والمزارع. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إجراءات رقابية حازمة، من بينها تنفيذ زيارات مفاجئة لتلك المنشآت، إلى جانب اقتراح أدوات رقابية مبتكرة لضبط المخالفات والحدّ منها.

لطالما لعبت العمالة الوافدة دورًا في دعم قطاعات معينة تحتاج إلى جهود بدنية أو تخصصات لا يقبل عليها الكثير من الأردنيين. غير أن المشكلة تتفاقم حين تتحول هذه العمالة إلى وجود غير قانوني يتغاضى عنه بعض أصحاب العمل، سواء لتوفير النفقات أو لتفادي التزامات قانونية كدفع الحد الأدنى للأجور وتوفير شروط العمل اللائق. وتؤدي هذه الممارسات إلى خلق منافسة غير عادلة في سوق العمل، تُقصي الأردنيين من وظائف هم أولى بها.

لضبط هذا الخلل، تشكّل الزيارات المفاجئة أداة رقابية فعّالة لا يمكن الاستغناء عنها. فالزيارات الدورية التي تُعلن مسبقًا قد تمنح المخالفين الوقت الكافي لتجميل الواقع أو إخفاء العمالة المخالفة، بينما تؤدي الزيارات المفاجئة إلى كشف الحقيقة كما هي.

وينبغي أن تشمل هذه الزيارات ورشات البناء المنتشرة في مختلف المحافظات، حيث تُستخدم العمالة غير القانونية على نطاق واسع، دون عقود واضحة أو التزام بمعايير السلامة وبالتالي تعود بالضرر على أصحاب الابنية. كما يجب أن تشمل المطاعم، خاصة في العاصمة والمدن السياحية، حيث تنتشر ظاهرة استخدام الطهاة أو العمالة المساعدة من جنسيات غير مصرّح لها بالعمل. ولا بد أيضًا من التوجه إلى المزارع، لا سيما في المناطق الزراعية كالأغوار والبادية الشمالية، حيث يتم استغلال العمالة الوافدة بشكل موسمي وغير قانوني.

وتتطلب هذه الزيارات تشكيل فرق تفتيش مختلطة تضم ممثلين عن وزارة العمل، والأمن العام، والبلديات، وربما ممثلين من المجتمع المدني لتعزيز الشفافية والمساءلة. كما يمكن تفعيل خطوط ساخنة لاستقبال الشكاوى من المواطنين حول أماكن يُشتبه بأنها توظف عمالة غير قانونية.

إلى جانب الزيارات المفاجئة، يمكن تبني طرق أخرى أكثر استدامة وفعالية لمراقبة سوق العمل. أولى هذه الطرق هي إنشاء قاعدة بيانات مركزية متكاملة تُسجّل فيها معلومات دقيقة عن العمالة الوافدة، ترتبط مباشرة بنظام تصاريح العمل والإقامة، وتُمكّن الجهات الرقابية من التعرف فورًا على أي مخالفة.

كذلك، يمكن تفعيل الرقابة الرقمية عبر ربط أنظمة الدفع الإلكتروني للرواتب مع سجلات العمال المسجلين رسميًا، ما يسمح بتتبع التزامات أصحاب العمل وضبط التجاوزات بسهولة.

أما على صعيد المواطنين، فيمكن إطلاق حملات توعوية تسلط الضوء على مخاطر توظيف العمالة غير القانونية، وتُشجع الأردنيين على الإبلاغ عن المخالفات. فبدون وعي شعبي، ستبقى هذه الظاهرة مستمرة بصمت.

كما يُقترح تشديد العقوبات على أصحاب العمل المخالفين، بحيث تشمل الغرامات المالية المرتفعة، وحرمان المخالف من تصاريح العمل المستقبلية، وربما إغلاق المنشأة في حال التكرار. بالمقابل، يمكن تحفيز أصحاب العمل الملتزمين بتقديم حوافز ضريبية أو تسهيلات حكومية.

ومن الضروري إدراك أن حماية الوظائف للأردنيين ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي مسؤولية مجتمعية مشتركة. على المواطن أن يرفض ثقافة "التستر" على العمالة المخالفة، وأن يُدرك أن كل وظيفة تُمنح بشكل غير قانوني قد تُفقد شابًا أردنيًا فرصة كان يستحقها. وعلى الدولة أن تعزز ثقة المواطن بجديتها في الرقابة، وأن تكون إجراءاتها حازمة ومستمرة، لا موسمية أو شكلية. ولا تقولوا لنا أن الأردنيين لا يصلحون لوظائف الفنادق والمطاعم، فقد أظهروا كفاءة عالية في مطاعمنا وفنادقنا، وفنادق البحر الميت أجمل مثال على ذلك، فهم ينظفون الغرف والبرك والساحات العامة، ويعملون في المطبخ والمطعم والبار بكفاءة عالية جدا.

فالوظيفة ليست مجرد دخل مادي، بل هي كرامة وأمان اجتماعي. وحين يُفتح الباب أمام التوظيف غير القانوني، فإننا لا نخسر فقط فرص العمل للأردنيين، بل نُضعف منظومة العدالة الاقتصادية برمّتها. لذا فإن تنفيذ زيارات مفاجئة لورشات البناء والمطاعم والمزارع، إلى جانب تطوير أدوات رقابة ذكية وشاملة، هو خطوة ضرورية لحماية مستقبل الشباب الأردني، وبناء اقتصاد أكثر عدالة واستدامة.
وفيما يلي نظرة عامة على أبرز العقوبات في عدد من الدول:

الغرامات المدنية في بريطانيا اعتبارًا من فبراير 2024، أدت الى رفع الغرامة إلى 45,000 جنيه إسترليني لكل عامل مخالف في المخالفة الأولى، وتصل إلى 60,000 جنيه إسترليني في حال تكرار المخالفة.

والعقوبات الجنائية قد تصل إلى السجن لمدة 5 سنوات وغرامة غير محدودة إذا ثبت أن صاحب العمل كان على علم أو لديه سبب معقول للاعتقاد بأن العامل لا يملك الحق في العمل.

الغرامات في كندا تصل إلى 50,000 دولار كندي لكل عامل حسب نوع المخالفة. وفي ألمانيا تتراوح بين 5 إلى 500,000 يورو حسب خطورة المخالفة. هذه الأرقام هي لمجرد التذكير بأهمية حماية وظائف الأردنيين وبخطورة القضية وفق رؤية الدول المتقدمة التي تقدر أهمية الوظائف لمواطنيها. وفي الاردن لا بد من التعلم من هذه الاجراءات، وخاصة في زمن يعد فيه الحصول على وظيفة الأصعب منذ أزمة كورونا.