الشوبكي: السعودية تمتلك نفوذًا يؤهلها للعب دور محوري في وقف الحرب على غزة
حسين: السعودية تحافظ على توازن دبلوماسي بين دعم القضية الفلسطينية وعلاقاتها الدولية
العابد: الرياض ترفض التطبيع قبل قيام دولة فلسطينية وتدعو لسلام مشروط ينهي العدوان
الطماوي: الموقف السعودي يعكس التزامًا مستمرًا بدعم الاستقرار وحماية المدنيين
رزان السيد
في ظل التصعيد المستمر في قطاع غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية، برزت زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب إلى المملكة العربية السعودية كحدث لافت حمل في طياته رسائل سياسية مهمة.
وفي أعقاب هذه الزيارة، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن اتفاق مشترك مع الجانب الأمريكي، يؤكد على ضرورة وقف الحرب في غزة، والإفراج عن المحتجزين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المتضررين، مؤكدًا أن الزيارة تعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، آملًا في تحقيق تقدم ملموس في مفاوضات وقف إطلاق النار.
ويتوقع محللون أن يكون التحرك السعودي ضمن سياق عربي موحد والذي أقرته القمة العربية الأخيرة عبر قرارات وخطة إعادة إعمار غزة.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، أن السعودية تمتلك نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، خاصة مع تراجع الدورين الإيراني والتركي، ونجاح السعودية برفع العقوبات عن سوريا، والمساهمة بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وهذا يمكن السعودية من لعب دور محوري بوقف الحرب البربرية على غزة.
وبيّن أن تصريحات وزير الخارجية السعودي، جاءت بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، إذ تعكس هذه التصريحات استمرار السعودية بتبني موقف داعم للاستقرار الإقليمي، وقد تشير إلى رغبة سعودية للعب دور أكثر تأثيرًا في إنهاء هذه الحرب البربرية.
ولطالما دعت السعودية لوقف إطلاق النار في غزة وإيجاد حلول سياسية للصراعات في المنطقة، وتأتي في سياق الموقف الثابت للسعودية ولا تعد تحولًا في مواقفها، بحسب الشوبكي، الذي أشار إلى أن التحرك السعودي غالبًا سيكون ضمن سياق عربي موحد والذي أقرته القمة العربية الأخيرة عبر قرارات وخطة إعادة إعمار غزة، والتي هدفت في حينها لوقف إطلاق النار وتحقيق استقرار سياسي وأمني في غزة، مع التركيز على إعادة الإعمار وتأهيل القطاع بطريقة مستدامة.
وأكد الشوبكي أن نجاح الدور السعودي يعتمد على عدة عوامل، وهي، مدى قبول الأطراف المتنازعة لها، والدعم الدولي والإقليمي الذي يمكن أن تحصل عليه، وربما يكون هذا الدور مكملًا للوساطة المصرية والقطرية.
كما أوضح أن الكيان الصهيونى قد ينظر للدور السعودي بحذر، مما يشكل تحديًا، خاصة وأن الرياض تؤيد حل الدولتين كخيار استراتيجي للسلام في المنطقة، وهذا مخالف تمامًا لموقف الكيان الصهيوني وحكومته الذي يرفض حل الدولتين، أو تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، وفيما يتعلق بموقف حركة حماس فإنها قد ترى في الدور السعودي فرصة للحصول على ضمانات دولية لوقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية.
ويرى الشوبكي، أن الدور السعودي سيكون محل ترحيب عربي وفلسطيني، خاصة إذا ترجم هذا الدور إلى إجراءات ملموسة سعودية لتحريك الوضع دوليًا وعكسه، كضغط على الكيان لوقف الحرب على غزة.
ولفت إلى أن الدور السعودي في إعادة إعمار غزة، سيكون ضمن سياق مقررات القمة العربية الأخيرة وخطة إعمار غزة، وستسثمر السعودية ثقلها السياسي والاقتصادي وعلاقاتها الدولية لدفع هذه الخطة قدمًا والسير بها، كما أنها ستركز على الجهود الدبلوماسية للضغط لضمان بيئة آمنة ومستقرة لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
ومن جهته، أوضح المحلل السياسي، الدكتور عمرو حسين، لـ"الأنباط"، أن هذا التصريح يعكس موقفًا دبلوماسيًا متوازنًا، يسعى لتأكيد التزام المملكة بدعم القضية الفلسطينية مع الحفاظ على قنوات التواصل مع الأطراف الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن التركيز على وقف الحرب والمساعدات الإنسانية يعبر عن إدراك سعودي للحاجة الملحة لتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، مع الإبقاء على خطاب سياسي يدعو إلى حل عادل للصراع.
كما بيّن حسين أن التصريحات لا تمثل تحولًا جذريًا في الموقف السعودي، بل هي استمرار لسياسة ثابتة تؤكد على دعم الحقوق الفلسطينية ورفض أي حلول لا تشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، موضحًا بأن المملكة أكدت مرارًا، كما في بيانات سابقة، أن التطبيع مع إسرائيل مرهون بهذا الشرط، مما يعكس التزامًا راسخًا تجاه القضية الفلسطينية رغم الضغوط الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن فرص نجاح الوساطة السعودية، سواء منفردة أو بالتنسيق مع دول عربية مثل مصر وقطر، تعتمد على عدة عوامل، إذ أن المملكة تتمتع بثقل دبلوماسي كبير وعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، مما يمنحها نفوذًا محتملًا في التأثير على الأطراف الدولية، كما أن التنسيق مع مصر وقطر، اللتين أثبتتا فعالية في وساطات سابقة، قد يعزز من فرص التوصل إلى هدنة، ومع ذلك، التحديات تظل كبيرة بسبب تعنت إسرائيل في الاستمرار بالعمليات العسكرية وموقف حماس الذي يشترط وقفًا شاملًا للعدوان.
وتابع أن الوساطة السعودية قد تنجح جزئيًا في فتح قنوات لتدفق المساعدات، لكن التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم يتطلب توافقًا دوليًا أوسع وتغييرًا في المواقف الإسرائيلية، كما أن موقف إسرائيل وحماس من الوساطة السعودية، يوضح بأن إسرائيل تنظر إلى السعودية كشريك استراتيجي محتمل في ظل رغبتها في التطبيع، لكنها قد تتردد في قبول وساطة سعودية تربط أي تقدم دبلوماسي بحل القضية الفلسطينية، من جانبها، حماس قد ترحب بالوساطة السعودية إذا تضمنت ضغطًا على إسرائيل لوقف العدوان، لكن تجربتها السابقة مع السعودية، خاصة بعد توترات اتفاق مكة، قد تجعلها حذرة.
وبيّن حسين أن تصريحات وزير الخارجية السعودي تلقى قبولًا واسعًا في الرأي العام العربي والفلسطيني، حيث تعزز صورة السعودية كداعم للقضية الفلسطينية، ومع ذلك، قد ينظر البعض في الأوساط الفلسطينية بحذر إلى أي وساطة سعودية بسبب التجارب التاريخية والشكوك حول الأجندات الإقليمية.
أما عن سيناريوهات دور السعودية في إعادة إعمار غزة، فقد أوضح حسين أن السيناريو الأول قد يكون قيادة إقليمية، إذ يمكن للسعودية، بالتعاون مع دول الخليج ومصر وقطر، قيادة مشروع إعادة إعمار شامل، مع التركيز على البنية التحتية والخدمات الأساسية، مع ضمان أن تكون العملية تحت إشراف دولي لضمان الشفافية، أما السيناريو الثاني، فقد يكون دعم مالي ودبلوماسي، حيث أنه قد تختار السعودية تقديم دعم مالي كبير دون قيادة مباشرة، مع التركيز على الضغط الدبلوماسي لضمان عدم عودة الحرب.
أما المحلل السياسي نعمان العابد، يرى أن زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية تعتبر زيارة تاريخية، حيث أن المملكة العربية السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، عقدت اتفاقات هامة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن هذه الزيارة تعكس تحولًا في السياسة الأمريكية تجاه السعودية، فبينما تعتبر الولايات المتحدة السعودية ركيزة أساسية في منطقة الشرق الأوسط، فهي تنظر بشكل إيجابي إلى الدبلوماسية السعودية ودورها الحالي والمستقبلي، خاصة في ظل التغيرات السريعة في المنطقة.
وأوضح العابد في حديث له مع "الأنباط"، بأن المنطقة تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في القضية الفلسطينية، حيث تظهر العراقيل التي تضعها إسرائيل في طريق أي حلول سلمية، إذ أن العقبة الرئيسية تكمن في تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، إذ يصرون على مواصلة سياسات العنف والإبادة الجماعية، مما يعطل جهود السلام وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
وتابع، على الرغم من الجهود التي تبذلها دول مثل مصر وقطر والأردن، فإن هذه الجهود تصطدم بعناد الحكومة الإسرائيلية، مضيفًا بأن هناك تباين في المواقف بين الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس ترامب وحكومة نتنياهو، إذ كان لسياسات الإدارة السابقة انعكاسات سلبية على العلاقات مع دول المنطقة.
وأضاف العابد، إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب فعلاً في إعادة ترتيب الأمور في المنطقة، فمن الضروري أن تساهم بشكل فعال في إنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، وذلك من أجل أن ينال الرئيس الأمريكي جائزة نوبل للسلام، يجب أن يعمل على إنهاء هذا الصراع من جذوره، ويضغط على إسرائيل لتحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وأكد بأن هذا الموقف يتوافق مع ما أكده الأمير محمد بن سلمان خلال القمة الخليجية، حيث أكد على أهمية التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، لذا من المهم أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية على دراية بأن العلاقة مع الدول في المنطقة يجب أن تكون شراكة حقيقية، وليست مسألة سيطرة، مشيرًا إلى أن السياسة الأمريكية لن تنجح في المنطقة دون احترام حقوق الشعب الفلسطيني.
كما بيّن موقف المملكة العربية السعودية واضح جدًا، إذ لا يمكن إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل إلا بعد وقف العدوان الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، مؤكدًا بأن المملكة ترفض أي شكل من أشكال التطبيع قبل تحقيق هذه الشروط.
وبناءً على هذا الموقف، تدرك المملكة أن أي تحركات دبلوماسية قد تأتي دعمًا لوقف العدوان، لكنها تظل مشروطة بتحقيق السلام، وهو ما يعزز من دور السعودية في أي جهد للسلام في المنطقة.
من جانبه، بيّن المحلل السياسي، الدكتور محمد الطماوي، في حديثه مع "الأنباط، بأن تصريح وزير الخارجية السعودي بشأن ضرورة وقف الحرب في غزة والإفراج عن الرهائن وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، يأتي في لحظة سياسية حساسة، ويعكس التزامًا مستمرًا من المملكة بدعم الاستقرار الإقليمي وحماية المدنيين، بعيدًا عن الحسابات الآنية، لا يمكن قراءة هذا التصريح بمعزل عن الدور السعودي في دعم القضية الفلسطينية، لكنه أيضًا يحمل بعدًا سياسيًا دقيقًا، خاصة أنه جاء عقب زيارة ترامب، ما قد يشير إلى محاولة سعودية لإعادة ضبط المحيط الاقليمي بما ينسجم مع التحولات الجارية.
وأوضح الطماوي بأن الدور السعودي، إلى جانب الشقيقين المصري والأردني، يمثل ركيزة أساسية في أي مسار للتهدئة أو وقف إطلاق النار، نظرًا لما تملكه هذه الدول من وزن سياسي وعلاقات إقليمية متوازنة، تنسيق الجهود العربية، لا سيما بين الرياض والقاهرة وعمان، ما يوفر أرضية واقعية لمبادرة عربية جماعية تحفظ الحقوق الفلسطينية، وتدفع نحو حل سياسي يوقف نزيف الدم والمعاناة.
وأكد أن فرص نجاح أي وساطة سعودية، سواء منفردة أو بالتنسيق مع أطراف عربية أخرى، تعتمد على مدى انفتاح كل من إسرائيل وحماس على دور عربي جامع، موضحًا بأن إسرائيل تبدي تحفظات على أي وساطة مباشرة من الرياض في المرحلة الحالية، لكن لا يمكنها تجاهل الثقل السياسي والديني للمملكة، خاصة في أي تسوية مستقبلية، أما حماس، فرغم التباينات السابقة مع السعودية، فإنها تدرك أهمية إشراك الرياض في أي معادلة إقليمية تحفظ مصالح الشعب الفلسطيني.
وتابع أن الموقف السعودي الراهن لا يتعارض مع علاقاتها المتنامية مع الولايات المتحدة، بل يشكل دعمًا للتوجهات الدولية والعربية التي تطالب بخفض التصعيد الإسرائيلي وجرائم الحرب التى نفذتها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، كما أن هذا الخط المعتدل والمتوازن يوضح بطئ وتيرة محاولات السلام العربي الكامل مع إسرائيل، مما يعكس التزام المملكة العربية السعودية أخلاقيًا وسياسيًا بثوابت القضية الفلسطينية في ضوء الرأي العام العربي.
ونوّه الطماوي الى أن تصريحات السعودية، إلى جانب مواقف مصر والأردن، تسهم في تشكيل جبهة عربية عاقلة توازن بين الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني، والدفع نحو تسوية عادلة، وهي تعزز من ثقة الرأي العام العربي في أن هناك دولًا لا تزال تمثل ضمير الأمة، وتعمل في صمت من أجل كرامة الإنسان الفلسطيني.
وفي حال تحقق وقف لإطلاق النار، فإن السعودية ستكون قادرة على لعب دور فعال في جهود إعادة إعمار غزة، سواء عبر تمويل مباشر أو من خلال آلية عربية ودولية منسقة، هذا الدور لا يقتصر على البعد المالي، بل يشمل أيضًا توفير مظلة سياسية تضمن أن لا يتحول الإعمار إلى إعادة إنتاج للأزمة.
واختتم حديثه بدعمه للنهج الذي تتبناه السعودية ومصر والأردن، قائلًا: "نراه تعبيرًا عن الموقف العربي المسؤول الذي يضع حماية المدنيين في مقدمة الأولويات، وهذا ما يحافظ على ثوابت القضية الفلسطينية في وجه التوظيف السياسي والصوت العالي الذي لا يترجم إلى فعل".