فرقة معان.. 44 عامًا من العطاء في حفظ التراث الأردني ونشره

نبض البلد -

 

الخوالدة: نسعى لإنشاء منصة إلكترونية لتعليم الدبكة الشعبية

التحديات المالية تعرقل تحقيق الرؤية المستقبلية للفرقة

وزارة الثقافة تدعم الفرقة بـ400 دينار سنويًا

الأنباط – حمزة زقوت

الفن الشعبي والتراث جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية الأردنية، ويعكس ثقافة عريقة وقيمًا أصيلة تمتد جذورها عبر الأجيال، فهو لا يقتصر على العروض الفنية، بل يجسد تاريخًا غنيًا بالعادات والتقاليد التي تعبر عن روح الأردن الضارب جذوره في عمق التاريخ.

وبمجرد الحديث عن الفن الشعبي والتراثي، تتربع في الذهن فرقة معان للفنون الشعبية، التي أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على التراث ونقله إلى الأجيال القادمة.

وتأسست الفرقة عام 1981، لإحياء الهوية الأردنية، ولتكون رمزًا للتراث الجنوبي الأصيل، كما تتميز الفرقة بتقديمها مزيجًا من العروض الفنية التي تجمع بين الدبكات والأغاني التراثية والأزياء التقليدية.

وبسبب جهود فرقة معان، التي تتبع لوزارة الثقافة، أصبحت رمزًا وطنيًا، يؤكد أهمية الفنون الشعبية كجسر يربط بين الماضي والحاضر، وناقلًا لهذا التراث على الصعيد المحلي والدولي.

فرقة معان للفنون الشعبية.. النشأة

وقال رئيس فرقة معان للفنون الشعبية، فايز الخوالدة إن فكرة تأسيس الفرقة جاءت استجابة لتوجيهات الملكة نور الحسين في مطلع الثمانينيات، وذلك بعد زيارتها إلى مدينة معان واطلاعها على ثراء التراث الثقافي الأردني فيها.

واستجابةً لهذه الرؤية الملكية السامية، اجتمع مجموعة من شباب معان المتحمسين للحفاظ على التراث الشعبي ونشره، فتأسست فرقة شباب معان تحت رئاسة يوسف شكري يعقوب وبقيادة الراحل أبو خالد الخطيب، الذي لُقب بـ"الفراشة الطائرة" وأصبح رمزًا من رموز التراث الأردني.

وأشار الخوالدة إلى أن الدافع الرئيسي لإنشاء الفرقة كان لتوثيق وإحياء "الفلكلور" الأردني، خاصة ما يتعلق بمدينة معان، والتي تتميز بتراثها الغني المتنوع من الدبكات الشعبية والأشعار المعانية، مثل "السحجة" التي تضم أكثر من 1000 بيت من الشعر الشعبي.

وأضاف أن الفرقة وضعت على عاتقها مهمة نشر التراث الأردني محليًا وعالميًا، والتعريف بالفنون الشعبية الأردنية، وتقديم عروضٍ فنية تمثل روح التراث الأصيل.

وأوضح أن اختيار أعضاء الفرقة يتم بعناية لضمان الالتزام بمعايير الأداء والأخلاق التي تميز الفرقة، مشيرًا إلى أن العضوية تأتي إما عبر توصية من أعضاء الفرقة الحاليين أو من خلال تقديم طلب انتساب، على أن تتم الموافقة على العضوية من قبل جميع أعضاء الإدارة.

وبيّن أن هناك عدة شروط للانتساب للفرقة منها حسن السيرة والسلوك، إضافةً إلى أهمية التمتع برشاقة بدنية تتيح للعضو القدرة على تنفيذ الحركات الفنية بمرونة وسلاسة.

رؤية الفرقة وأهدافها

وأكد الخوالدة أن الفرقة تأسست برؤية تهدف إلى تعزيز روح الانتماء الوطني، والحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية الأردنية.

وذكر أن أحد الأهداف الرئيسية للفرقة هو زرع روح الانتماء للوطن من خلال الأغنية الشعبية الوطنية، مشيرًا إلى أن الأغاني والعروض التي تقدمها الفرقة تحمل رسائل وطنية تلامس مشاعر الجمهور وتربطه بالهوية الأردنية.

ولفت الخوالدة إلى أن الفرقة تسعى إلى إبراز الهوية الثقافية للتراث الأردني من خلال جمع وتوثيق الكلمات والقصائد الشعبية القديمة، والتي تعبر عن تاريخ وحياة الأردنيين، والتغني بها في عروض فنية تنظمها الفرقة في مختلف المحافل المحلية والمناسبات الوطنية.

وتابع أن الفرقة تحرص من خلال فعالياتها على عرض الأدوات التراثية المستخدمة قديمًا، مثل الدلال والبسط والنحاسيات، لتعريف الجمهور بالأدوات التقليدية التي تمثل جزءًا من الحياة اليومية في الماضي.

وأشار الخوالدة إلى أن الفرقة تعمل على أن تكون حلقة وصل بين المعنيين بالتراث والجمهور، عبر توفير مقرها كنقطة تواصل لدعم المحتاجين وتقديم المساعدات بالتعاون مع الجهات المعنية.

وأضاف أن الفرقة شاركت في أكثر من ثلاثين مناسبة دولية في الوطن العربي وأوروبا، منها جورجيا وبولندا واليونان وآخرها في السعودية،مبينًا أن ذلك أتاح لهم فرصة تبادل الثقافات مع شعوب مختلفة والتعريف بالتراث الأردني والزي الوطني، واصفًا هذه المشاركات بأنها "تجربة جميلة" ساهمت في نشر صورة إيجابية عن التراث الأردني وتعميق فهم الآخرين لثقافته.

الخطط المستقبلية

وقال الخوالدة إن الفرقة تعمل على مشروع إعداد كتاب يوثق تاريخها العريق الممتد على مدار 44 عامًا، حيث سيتضمن الكتاب إنجازات الفرقة وتحدياتها ورحلتها في تمثيل التراث الأردني على المستويين المحلي والدولي، ويهدف الكتاب إلى أن يكون مرجعًا للأجيال القادمة وشهادة على تطور الفنون الشعبية في معان.

ومن جهة أخرى، كشف الخوالدة عن خطط لإنشاء فرقة للناشئين في معان، وقال إننا "نسعى لتأسيس جيل جديد يحمل رسالة الفرقة ويواصل إحياء التراث"، من خلال تدريب الشباب على "الدبكات" الشعبية الأردنية، مؤكدًا أن هذه المبادرة ستساعد في خلق امتداد حيوي للفرقة وتضمن استمرارية الإرث الفني لمعان.

وبيّن أن هناك خطة لإنشاء منصة إلكترونية لتعليم أداء "الدبكة" الشعبية ونشر ثقافة الفرقة، موضحًا أن هذه المنصة تهدف إلى تمكين المهتمين بالتراث والفنون الشعبية من التعرف على أسلوب الفرقة وتعلم تقنياتها عن بُعد، سواءً من داخل الأردن أو خارجه.

وقال الخوالدة إننا "نطمح أن تكون المنصة مساحة تفاعلية لنقل خبرات الفرقة وإشراك الجمهور في تجربة التعلم الفني، بما يسهم في نشر ثقافة الفنون الشعبية الأردنية بشكل أوسع".

وأشار إلى أن هذه المنصة، التي تتطلب دعمًا ماديًا وتقنيًا، من شأنها أن تعزز حضور الفرقة الرقمي، مما يتيح للأجيال الشابة فرصة التعرف على التراث بأسلوب عصري، مضيفًا أن الفرقة تأمل بالتمكن من توفير محتوى تعليمي وتفاعلي متكامل يجمع بين الفيديوهات التوضيحية والمعلومات التاريخية، ما يضمن استمرارية إرث الفرقة وتمريره للأجيال القادمة بطريقة حديثة.

التحديات.. وقلة الدعم الموجه

وقال الخوالدة إن العقبة المادية تشكل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق الرؤية المستقبلية للفرقة، إذ إنها تواجه صعوبة في تمويل الأنشطة الجديدة، فضلًا عن التكلفة العالية اللازمة لإعداد الكتاب وتأسيس فرقة للناشئين، معربًا عن أمله في إيجاد دعم إضافي من الجهات المهتمة بالفنون الشعبية والتراث الأردني، مما سيمكن الفرقة من تحقيق خططها المستقبلية وتوسيع نطاق أنشطتها.

وأوضح أن الفرقة تواجه تحديات عدة قد تؤثر بأدائها، أبرزها تعدد الفرق الشعبية، لتشابه الأسماء واللباس والأداء بين "الفرقة الأم" والفرق الناشئة، مشيرًا إلى أن هذا التشابه يؤثر سلبًا على هوية الفرقة المميزة وتفاعل الجمهور معها.

وأضاف أن الفرقة تعاني من قلة الإمكانيات والدعم المالي، إلى جانب عدم توفر وسيلة نقل للمشاركات، خاصة التطوعية، نتيجة تعطل الحافلة الخاصة بالفرقة، والتي كانت قد قُدمت كهدية من جلالة الملك.

ولفت الخوالدة إلى أن الفرقة تضطر لاستخدام تقنيات بسيطة للتصوير عبر الهواتف المحمولة، لعدم توفر معدات حديثة، حيث تعرض بعض مقتطفات عروضها على مواقع التواصل الاجتماعي وتنال إعجاب الكثير من الجمهور، رغم قلة الإمكانيات.

وبيّن الخوالدة أن الفرقة لا تتلقَّ دعمًا مباشرًا من الحكومة، وتعتمد بدلًا من ذلك على اقتطاع نسبة 15% من مكافآت أعضاء الفرقة بشكل دوري، لتمويل أنشطتها وشراء مستلزماتها.

وأشار إلى أن وزارة الثقافة تقدم دعمًا سنويًا مقداره 400 دينار، وهو مبلغ بالكاد يغطي بعض تكاليف تشغيل الفرقة في ظل المتطلبات السنوية للفرقة، مثل دفع رسوم مكاتب تدقيق الميزانية للفرقة وكلفته 300دينار.