كارثة المفاوضات غير المتكافئة

نبض البلد -

حاتم النعيمات

 

لتصح أي مفاوضات يجب وجود حد أدنى من الندية والتكافؤ بين أطرافها، أما المفاوضات التي تتم على شكليات وإيحاء بالتكافؤ فهذه ليست سوى عملية استغلال من قبل الطرف الأقوى للطرف الضعيف الذي يعاني على الأغلب من صعوبة في فهم وتقدير الواقع.

أقصد أن الطرف الأقوى لا يقبل الدخول في هذه المفاوضات إلا لتمرير الوقت بغية تنفيذ مصالحه على أرض الواقع.

 

مفاوضات إسرائيل وحماس لا يمكن أن تكون مفاوضات حقيقية، لأن إسرائيل متفوقة بدعم أمريكي هائل للأسف، والطرف الآخر (حماس) تم تدمير جزء كبير من امكانياتها وتدمير شعبها ومعظم المنطقة التي تحكمها، لذلك فالواضح أن هذه المفاوضات قد تصب في مصلحة إسرائيل، وما يحدث هو إيهام حماس بأنها طرف حقيقي لغايات إطالة عمر الحرب وبقاء نتنياهو في السّلطة.

 

المكاشفة مهمة جدًا في هذا الظرف الإقليمي الحساس، ومن المقلق أن تنجر المنطقة بدولها وسياسييها ومثقفيها وراء الخطابات الشعبوية فتصمت أمام حالة العبث التي تنتجها المفاوضات، إذ لم يعد بالإمكان ترك هذا الفصيل ليتحكم بمستقبل المنطقة، ناهيك عن تحكمه بمصير قضية مركزية كقضية الشعب الفلسطيني.

 

التهدئة والانسحاب جزء من المناورة السياسية والعسكرية ولا يعني ذلك نهاية مطاف الصراع مع المحتل، فالمقاومة حق أصيل دائم لجميع الشعوب التي تقع تحت الاحتلال، وإذا كان الفعل المقاوم مضرًا فإن إيقاف الخسارة ربح مرحليًا على الأقل، والمقاومة كفكرة ليست محصورة بوجهة نظر فصيلٍ معين بل هي طيف من الإجراءات تبدأ من البقاء والصمود على الأرض وتمر بالحركة الدبلوماسية والسياسية إلى أن تصل إلى الصدام المسلح مع العدو. بالتالي، فإن إصرار فصيل أو تيار على أسلوب واحد من أساليب المقاومة يعني أن هناك خلافًا سيسري داخل الجسم الشعبي قد ينتج عنه انقسامات تسهل على الاحتلال التفرد بكل قسم على حدا.

 

بعد أن وافقت على الإفراج عن أسير أمريكي عبر مفاوضات مع الولايات المتحدة، تحاول حركة حماس الترويج لهذا الاتفاق على أنه اعتراف بوجودها من قبل الإدارة الأمريكية، والحقيقة أن هذا مجرد امعان في الوهم، وإثبات أن هذه الحركة لا تدرك الواقع السياسي وتحاول التعلُّق بأي قشة تنجيها من سخط جمهورها في فلسطين والمنطقة. التفاوض لا يعني بالضرورة اعتراف الأطراف ببعضها، لذلك فإن البروباغندا الإعلامية التي تنفذها حماس على وقع تسليم الأسير الأمريكي لن تغيّر شيئًا في الواقع الواخز على الأرض.

 

الغالب أن ترامب أراد أن يخفف من احتقان المنطقة قبيل زيارته بربط إدخال المساعدات بشكل جزئي مقابل الإفراج عن الأسير الأمريكي، وهذه مجرّد تخريجة ومجاملة لا أكثر، فعملية توزيع المساعدات ذاتها قد يشوبها عمليات تهجير داخلية كبيرة لأن التوزيع سيتم من رفح عبر ثلاث نقاط توزيع؛ بالتالي فإننا أمام خدعة جديدة لنقل السكان من الشمال والوسط إلى الجنوب باستخدام المساعدات هذه المرة بدلًا من الأحزمة النارية!!

 

النتيجة أن هناك عدم إدراك وفهم من قبل فصيل تقوم أمريكا وإسرائيل بتضخيمه عند الحاجة لتمرير مشاريع خطيرة في المنطقة، والمشكلة أن التحركات العربية تراجعت في الفترة الأخيرة دون مبرر واضح وفي عز الحاجة لتنسيق عربي يتم من خلاله وضع مصالح الولايات المتحدة مع العرب ككل على الطاولة لإنهاء المشهد بالغ الخطورة على المنطقة والقضية الفلسطينية.