ألمانيا حبيسة ادعاءات الهولوكوست.. العرب يدفعون الثمن
الاسم إن كان إسلاميًا يتحوّل إلى عبء غير مرئي يمنعك من تحقيق أحلامك
محجبات يتعرّضن لمواقف مهينة أثناء استخدام القطارات في ألمانيا
35.4٪ من المشتبه بهم في جرائم من الأجانب و26 ٪ من الضحايا
العفو الدولية: تصاعد خطير في القيود المفروضة على الحق في التجمع السلمي بأوروبا
الأنباط - الاف تيسير
لم يكن يتوقع محمد أن يكون اسمه يومًا عائقًا أمامه في تحقيق أحلامه في ألمانيا، كما تكن تتخيل حليمة أن يكون مظهرها كمحجبة سببا لتعرضها للإهانة، ومثلهما عز الدين الذي تفاجأ بفقدانه فرصًا في تقدمه بمسيرته العملية بسبب اسمه صاحب الهوية الدينية.
فقد أمسى من الواضح أن ألمانيا ما تزال، حتى اليوم، تدفع ثمن ما يُعرف بـ"المحرقة اليهودية" أو "الهولوكوست"، والتي يزعم أنها وقعت خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، والتي يصفها "الصهاينة" بأنها إبادة جماعية استهدفت اليهود بسبب هويتهم، هذا الحدث بقي يلقي بظلاله على السياسات الألمانية لعقود، خصوصًا فيما يتعلق بالموقف من "إسرائيل" وقضايا الشرق الأوسط.
ورغم أن مؤرخين غربيين، وعلى رأسهم البريطاني ديفد إيرفينغ، أكدوا أن هذه المحرقة ما هي إلا دعاية إعلامية لحصد التعاطف مع الصهاينة، إلا أن ألمانيا مستمرة بتوخي الحذر مع هذا الملف بحمل الذنب تجاه اليهود.
وبعد السابع من أكتوبر 2023، ومع تصاعد الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اضطرت ألمانيا إلى فرض مزيد من القيود على طالبي الهجرة، مع تشديد خاص على العرب المقيمين هناك، لا سيما النشطاء الداعمين للقضية الفلسطينية، هذا التوتر انعكس بشكل مباشر على الشارع الألماني، حيث زاد الانتشار الأمني المكثف في الأحياء والمناطق التي يتواجد بها عدد كبير من اللاجئين، في محاولة لاحتواء أي توترات محتملة أو مظاهرات مؤيدة لفلسطين.
وضمن هذا المناخ المتوتر، شهدت ألمانيا في ديسمبر 2024 حادثة مؤلمة في سوق الميلاد بمدينة ماغديبورغ، حيث أقدم شخص من جنسية عربية على دهس حشد من الناس بسيارته داخل السوق، ما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة نحو 299 آخرون، هذه الحادثة أثارت صدمة واسعة وأشعلت جدلًا سياسيًا حادًا حول ملف الهجرة واللجوء.
هذه التطورات تكشف عن استمرار التأثير التاريخي والسياسي "للهولوكوست" في السياسات الألمانية حتى اليوم، والتي باتت أكثر تعقيدًا في ظل المشهد السياسي المتأزم في الشرق الأوسط.
امتحان محمد.. حين يتحوّل الاسم إلى تهمة
في إحدى الجامعات الألمانية، تقدَّم شابٌ عربي يُدعى محمد لاجتياز امتحان القبول الجامعي، اجتهد محمد، وأعدَّ نفسه جيدًا وكان واثقًا من إجاباته لكن المفاجأة جاءت؛ برفض طلبه ورسوبه في الامتحان رغم ثقته الكبيرة بأدائه.
محمد شعر أن الأمر يتجاوز قدراته الأكاديمية ليصل إلى هويته؛ فاسمه الذي يكشف عن ديانته وهويته الإسلامية، كان السبب غير المعلن لهذا القرار، ويروي محمد أن كثيرًا من الشباب العرب والمسلمين في الغرب يعيشون هذه التجربة؛ حيث يتحوّل الاسم والهوية إلى عبء غير مرئي يمنعهم من تحقيق أحلامهم.
حليمة.. اعتصامات ضد الوجود العربي
وفي حالة أخرى، انتقلت حليمة (اسم مستعار فضلت عدم ذكر اسمها)، مع أسرتها إلى مدينة إسن الألمانية، والتي تضم عددًا كبيرًا من العرب والمسلمين، توقعت أن يكون هذا التجمع مصدر أمان اجتماعي، لكن الواقع كان محمّلًا بمفاجآت مؤلمة.
وتقول حليمة لـ"الأنباط" إنهم واجهوا مظاهر عنصرية قاسية من بعض السكان، الذين لم يترددوا في تنظيم اعتصامات واحتجاجات متكررة ترفض وجود العرب وتطالب برحيلهم من الأحياء.
وتروي أيضًا أن بعض صديقاتها المحجبات تعرّضن لمواقف مهينة أثناء استخدام القطارات، حيث قام أشخاص "بالبصق" عليهن في تصرف عنصري فاضح، يُعبّر عن رفض الآخر لمجرد مظهره وانتمائه.
صرت أحلق لحيتي كي لا يُحكم عليَّ
أما عز الدين، فتقدَّم للحصول على تدريب مهني في ألمانيا، فتم رفض طلبه رغم مؤهلاته ومهاراته الواضحة، والمفاجأة أن زميلته الألمانية، التي تقل عنه خبرةً وكفاءةً، قُبلت فقط لأنها ألمانية.
ويروي عز الدين لـ"الأنباط" أن هذا الموقف تكرر معه ومع آخرين، حيث يشعر بأن هويته العربية تحرمه من أبسط حقوقه خوفًا من التعرض لأي موقف مسيء، صار يحلق لحيته باستمرار كي يتجنب أن يُحكم عليه بناءً على مظهره.
"تعال لهون".. وصمة مهينة في الشارع الألماني
يكمل عز الدين روايته أنه في الشارع الألماني، ظهرت مؤخرًا كلمة مهينة متداولة باللهجة العربية "تعال لهون" يستخدمها بعض الألمان للإشارة إلى فئة من الأشخاص، يصفونهم بأنهم عديمو الأخلاق ويفتعلون المشاكل في محطات القطارات والأماكن العامة.
المؤلم أن هذه الكلمة باتت مرادفًا سلبيًا للعرب، حيث أصبح الألمان ينادون بها العرب بطريقة تهكمية، في إشارة إلى أن هذه الفئة "همجية" بطبيعتها، في وصمة تحمل عنصرية صريحة موجهة ضد العرب.
ما تحكيه قصص محمد وحليمة وعز الدين وغيرهم، ليس حكاية فردية، بل وجع يتكرر بصمت في حياة كثير من العائلات العربية والمسلمة في بعض المجتمعات الغربية، حيث تصبح الهوية سببًا في المعاناة بدل أن تكون مصدر فخر واعتزاز.
أبو ثائر.. بين التضييق الإعلامي والاحترام الاجتماعي
في زاوية أخرى من المشهد، "أبو ثائر" مواطن أردني يقيم في المانيا منذ أكثر من عشرين عامًا فضلَ عدم ذكر اسمُه، يرى أن التضيقات بدأت بعد السابع من أكتوبر وذلك بسبب ضغط "اللوبي الصهيوني" على الحكومة الألمانية، وليس إلى موقف اجتماعي عام من العرب والمسلمين.
ورغم تشديد القوانين والإجراءات الأمنية مؤخرًا، يؤكد أبو "ثائر" أن حياته مع عائلته في ألمانيا مستقرة وآمنة، ولم يتعرضوا لأي اعتداء أو إساءة بسبب هويتهم العربية، بل على العكس يتحدث عن الاحترام الكبير الذي يتلقاه من المجتمع المحلي والجهات الرسمية، حيث يحصل وأسرته على كامل حقوقهم كمقيمين، سواء في الرعاية الصحية، التعليم، أو الخدمات الاجتماعية.
وتعكس شهادة "أبو ثائر" جانبًا من واقع الجاليات العربية في ألمانيا، التي تختلف تجاربها عن من يشعر بالتمييز والخوف، ومن يجد نفسه مستقرًا ومقدرًا في بيئة قانونية وإنسانية متوازنة.
تصاعدت الجرائم ذات الطابع العنصري في ألمانيا
وبحسب تقرير إحصائية الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية" PKS " لعام 2024، تبيّن أن "35.4٪ " من المشتبه بهم في الجرائم المسجلة كانوا من الأجانب، وهي نسبة تتجاوز بشكل واضح حصتهم السكانية البالغة "15٪" فقط، ومن اللافت أن الأجانب في ألمانيا ليسوا فقط "جناة"، بل يشكّلون كذلك نحو "26٪ " من ضحايا الجريمة، في ظل تصاعد ملحوظ لجرائم الكراهية ذات الدوافع العنصرية.
وفي سياق متصل، كشفت وزارة الداخلية الاتحادية عن إحصائية صادمة لعام 2023، حيث تم تسجيل" 15,087 "جريمة كراهية ضد الأجانب، ما يمثل زيادة حادة بنسبة "50٪" ، مقارنة بعام 2022، الذي بلغ فيه عدد هذه الجرائم "10,038" جريمة، والأخطر من ذلك أن حوالي" 77٪" من هذه الجرائم في عام 2023 ، كانت بدوافع سياسية من اليمين المتطرف، ما يعكس تنامي ظاهرة "رهاب الخارج" والتطرف في المجتمع الألماني.
وإثر حادثة سوق الميلاد، بمدينة "ماغديبورغ" صوت "البوندستاغ الألماني" على حزمة من القوانين الجديدة، شملت تمديد فترة الاحتجاز قبل الترحيل إلى 28 يومًا، ومنح الشرطة صلاحيات موسعة لتفتيش أماكن إقامة المهاجرين، مع تسهيل ترحيل أي شخص مشتبه بارتباطه بجماعات متطرفة أو ارتكب جرمًا.
وفي يناير 2025، صعّد البرلمان موقفه أكثر بعد أن وافق على مشروع قرار تقدمت به الأحزاب اليمينية والوسطية، وطالب بمزيد من التضييق على الهجرة، بما في ذلك ضبط الحدود ورفض طلبات اللجوء المقدمة مباشرة عند الحدود، في خطوة أثارت ردود فعل متباينة بين المؤيدين والمناهضين لهذه السياسات.
منظمة العفو الدولية: الحق في التظاهر السلمي بأوروبا تحت الحصار
وكشفت منظمة العفو الدولية في تقرير حديث صدر عام 2024، عن تصاعد خطير في القيود المفروضة على الحق في التجمع السلمي في أوروبا، حيث تتجه العديد من الدول نحو تجريم المتظاهرين السلميين وشيطنتهم، وفرض قيود تعسفية عليهم، إلى جانب استخدام أساليب قمعية متزايدة لخنق الأصوات المعارضة.
وجاء في التقرير، الذي حمل عنوان "تفريط في الحماية وإفراط في القيود؛ حالة الحق في التظاهر في 21 بلدًا أوروبيًا"، أن القارة تشهد نمطًا ممنهجًا من القوانين القمعية، و يترافق مع استخدام مفرط وغير مبرر للقوة، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية، وملاحقات قضائية ظالمة، إلى جانب تصاعد خطير في تقنيات المراقبة التي تنتهك خصوصية الأفراد.
وبيّن التقرير أن بعضًا من الدول بينها ألمانيا، إيطاليا، بلجيكا، بولندا، سويسرا، سلوفينيا، صربيا، فرنسا، فنلندا، وصل الأمر فيها إلى استخدام القوة المفرطة ضد الأطفال.
وأشار التقرير إلى حالات إفلات من العقاب لقوات الشرطة في دول مثل إسبانيا، ألمانيا، إيطاليا، البرتغال، بلجيكا، تركيا، المملكة المتحدة، النمسا، واليونان.
وفي سياق التضييق على الحريات، أرجع التقرير إلى أن السلطات الألمانية حظرت بشكل استباقي مظاهرات لإحياء ذكرى "النكبة الفلسطينية" في برلين خلال عامي 2022 و2023، مستندة إلى قوالب نمطية تمييزية تصف المشاركين بـ"الميّالين إلى العنف".
وخلص التقرير إلى أن هذه الممارسات تعكس تراجعًا منهجيًا خطيرًا للحق في التظاهر في أوروبا، داعيًا الحكومات الأوروبية إلى إصلاح منظومتها التشريعية والأمنية بما يتماشى مع التزاماتها الدولية تجاه حقوق الإنسان.
وفي إطار المتابعة الإعلامية؛ للتغيرات التشريعية الأخيرة في ألمانيا وتأثيرها المحتمل على الجاليات العربية والمهاجرين، قامت صحيفة" الأنباط" بالتواصل مع السفارة الألمانية في عمان عبر كتاب رسمي تضمن أربعة أسئلة محورية تتعلق بهذه القوانين الجديدة، وقد جاءت هذه الخطوة استجابةً لما ورد إلى الصحيفة من شكاوى واستفسارات من عدد من المتضررين والمقيمين في ألمانيا.
وعلى الرغم من الإنتظار ومرور أكثر من أسبوعين على إرسال الكتاب، لم تتلق الصحيفة أي رد رسمي من السفارة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وفي ظل غياب التعقيب الرسمي، تبقى الكثير من التساؤلات مطروحة حول مدى اتساق هذه الإجراءات مع المعايير الحقوقية الأوروبية، ومدى تأثيرها على حياة المهاجرين العرب في ألمانيا.
كما أن صحيفة "الأنباط" مستمرة في متابعة هذا الملف، وستقوم بنشر أي رد رسمي حال وروده، التزامًا بحق الجمهور في المعرفة وتوفير صورة متوازنة حول تطورات هذا الموضوع.