العودة إلى الأرض..هل يستطيع الشباب أحياء الزراعة من جديد

نبض البلد -

العياصرة: الأرض لم تخذلني يوما

الفهد: الأرض لا تخون من يعطيها من قلبه

الأنباط – رزان السيد

في وقتٍ تتجه فيه أنظار كثير من الشباب نحو الوظائف المكتبية والتقنيات الحديثة، يختار عدد متزايد من الشباب طريقًا مختلفًا، عائدًا إلى الحقول والمزارع، ليعيد إحياء الزراعة بروح جديدة تجمع بين حب الأرض والتفكير العصري.
العودة إلى الأرض لم تعد مجرد حنين للماضي، بل أصبحت مشروعًا للمستقبل، وسط أزمات الغذاء وتغير المناخ، لذا يبدو أن الشباب هم من يقودون التغيير بهدوء بحفنة تراب في اليد وتطبيق ذكي في اليد الأخرى، ما يشي بأن ما يجري اليوم ليس مجرد تغيير في المهنة، بل تحول في العقلية، من الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن الهروب من الريف إلى العودة إليه بحب وإبداع.
هذه الموجة من الزراعة الشبابية لا تعتمد فقط على الأدوات التقليدية، بل تأتي مدعومة بأفكار ريادية، تطبيقات ذكية، وأساليب تسويق إلكترونية، ففي بلدة ساكب الواقعة شمال الأردن، حيث تتدفق الينابيع وتفوح رائحة الزيتون والميرامية، تتجدد علاقة الإنسان بالأرض بطريقة غير تقليدية، تحمل في طياتها روحًا شابة وطموحة، هناك، يعيش الثلاثيني علي العياصرة، الذي اختار أن يجعل من الزراعة مشروعًا حياتيًا، وأن يوظف التكنولوجيا في خدمة الفلاحة.
ويقول العياصرة لـ"الأنباط": "أنا من ساكب، وكلنا هون فلاحين نحب الأرض وبنعيش من خيراتها"، ويصف شعوره ذلك وهو يتجول بين أشجار الزيتون والكرز في أرضه، حيث لم تكن الزراعة بالنسبة له مجرد إرث، بل قصة عشق بدأت منذ الطفولة، حين كان يرافق والده – تاجر الخضار والفواكه منذ أكثر من 35 عامًا – إلى الحقول والأسواق، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأرض جزءًا من هويته.
لكن علي لم يكتفِ بالطرق التقليدية، بل قرر أن يروي قصة الزراعة بوسائل حديثة، إذ أنه يهوى التصوير، ويوثق يومياته في المزرعة على صفحته على "الفيسبوك"، وفوجئ بتفاعل الناس مع ما ينشره"، إذ أن هذا التفاعل ألهمه لبدء تسويق منتجات المزرعة عبر الإنترنت، إلى جانب بيعها في الأسواق المحلية.
والزراعة بالنسبة لعلي لم تكن فقط مصدر دخل، بل أسلوب حياة ووسيلة لتجديد العلاقة بين الإنسان والطبيعة، موضحًا: "الأرض هي الذهب الحقيقي، ومصدر رزق ثابت لكل من يحافظ عليها ويزرعها"، متبعًا: "قبل ما أتوظف، كنت كل ما أحتاج فلوس، أروح على الأرض، أقطف الثمر الجاهز، وأنزله على السوق.. الأرض عمرها ما خذلتني".
وأضاف أن الحكاية لا تخلو من الارتباط بالهوية، فبلدة ساكب، كما يروي علي، سُميت بهذا الاسم نسبة إلى "سكب الماء من ينابيعها، وسكب الزيت من زيتونها، وحتى سكب العملة قديمًا"، وهي اليوم تسكب من روحها في جيل جديد من الشباب الذين يعيدون تعريف الزراعة من منظور حديث.
من خلال عدسته، وقلبه المتصل بالتربة، يرسم علي العياصرة نموذجًا لشاب رأى في الأرض فرصة، وفي التقنية وسيلة، فجمع بين الجذور والحداثة، وفتح طريقًا جديدًا لمستقبل الزراعة في الأردن.
ويشار إلى أن عدد العمالة الزراعية المشمولة بمظلة الضمان الاجتماعي حتى نهاية كانون الثاني الماضي بلغ 18761 عاملًا وعاملة.
أما أحمد الفهد، المزارع الذي يبلغ من العمر 29 عامًا، خريج إدارة الأعمال، فيروي كيف قرر أن يترك عمله في شركة تجارية ويبدأ مشروعه الزراعي الخاص، قائلًا: "كنت أشعر بالاغتراب، وكأنني أقوم بعمل لا يمت لي بصلة، عدت إلى أرض جدّي، وبدأت بزراعة الخضراوات العضوية، لم يكن الأمر سهلًا، لكنه حقيقي".
وأوضح الفهد في حديث شيّق لـ"الأنباط"، أن قصته بدأت بعد أن قام بحساب مصاريفه الشهرية، والتي لا تزيد عن الالتزامات الأساسية، مقابل الراتب الذي يتقاضاه من عمله، قائلًا: "بطلع راس براس".
وكان جدّ أحمد مزارعًا ولكن العمر سرق منه قوته البدنية، فوظف لديه مزارع ليقوم بإكمال العمل في المزرعة، فقرر الفهد أن يعمل بدلًا من المزارع وأن يتقاضى مقابل عمله من بيع الخضراوات والفواكة التي يهتم بزراعتها والاهتمام بها بتوجيهات من جده.
واليوم، بعد مرور ثمان سنوات على عمله في المزرعة، استطاع الفهد أن يشتري سيارة، ويتزوج، ورزق بطفلين يعيشان حياة كريمة، آملًا بأن يستطيع شراء منزل في المستقبل القريب، دون اللجوء إلى القروض.
ووجه رسالة إلى الشباب، قائلًا:" يا شباب، يمكن المكاتب تلمع، بس الأرض أصدق، تعبت فيها بس شفت ثمرها بعيوني، رجوعي للمزرعة ما كان تراجع، كان خطوة للأمام، لأني صرت أعيش من شغلي وأحس بمعناه، اللي بدو يبني حياته، يبدأ من جذوره، ويشتغل بإيديه، الأرض ما بتخون حد بيعطيها من قلبه".