الجلطات القلبية.. الأسباب وسبل الوقاية

نبض البلد -
مُعدَّل عمر المصابين بالجلطات في الأردن أقل بعشر سنوات مقارنة بالغرب

الدبَّاس: بعض الأمراض قد لا يتم تشخيصها مبكرًا إلَّا أنَّها ترفع من خطر الإصابة

الصالحي: العلاقة بين الاكتئاب وارتفاع ضغط الدم مُعقّدة وتشمل عوامل بيولوجية ونفسية

الأنباط - كارمن أيمن

عديد من الأسباب وراء الجلطات القلبية المفاجئة، وتحدث بها كثيرون من المختصين بين محذر من سلوكيات وآخر محفز على نشاطات وثالث ناصح.
الأمر ليس جديدًا، فهو من الأمور القديمة المتجددة، لكن اللافت هنا زيادة هذه الحالات، فبين حين وآخر لا بد لنا أن نسمع بوفاة فاجعة جراء جلطة قلبية مفاجئة، فما هي الأسباب وبماذا ينصح المختصون؟
معظم حالات الجلطات القلبية تحدث نتيجة ممارسات خاطئة في الحياة اليومية بالإضافة إلى الضغوط النّفسية والجسدية، حيث أظهرت دراسة طبيَّة موسَّعة، نشرتها جمعية أطباء القلب الأردنية، أنَّ مُعدَّل عمر المصابين بالجلطات في الأردن أقل بعشر سنوات مقارنة بالغرب، ويبلغ متوسط عمر المصابين محليًا 57 عامًا، بينما يصل في الغرب إلى 67 عامًا.
استشاري القلب والقسطرة العلاجية الدكتور جمال الدبَّاس بين أنَّ ازدياد حالات الإصابة بالجلطات القلبية المفاجئة بين الشباب يعود لأسباب عدّة تتضمَّن اتّباع نمط حياة غير صحّي من خلال زيادة التدخين وقلّة النشاط البدني، بالإضافة إلى التوتُّر والضغط النفسي باعتباره يؤثر على الجهاز القلبي الوعائي بشكل مباشر.
وأضاف أنَّ تعاطي المنشطات والمخدرات كالكوكايين والأمفيتامينات يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر التجلُّط، فضلًا عن الاضطرابات الأيضية المُتَمثِّلة بمرض السكري غير المُكتشف والسكري القاتل الصامت، وارتفاع الكوليسترول الذي قد يؤدي إلى تصلُّب الشرايين في سن مبكر.
وأكَّد خلال حديثه "للأنباط" أنَّ الإصابة بعدوى فيروسية سابقة قد تساهم في التهابات الشرايين القلبية أو عدم انتظام ضربات القلب، مُبيِّنًا أن الأفراد الذين تحمل عائلاتهم سيرة مرضية في اضطرابات القلب تجعلهم أكثر عُرضة للإصابة، إذ أنَّ للعامل الوراثي دورًا رئيسيًا في الإصابة.
وتابع الدبَّاس أنَّ بعض الأمراض قد لا يتم تشخيصها مبكرًا إلَّا أنَّها ترفع من خطر الإصابة كارتفاع ضغط الدم غير المُشخَّص وارتفاع الكوليسترول العائلي، بالإضافة إلى أمراض المناعة الذاتية، كالذئبة الحمراء والتهاب الأوعية الدموية واضطرابات القلب الوراثية كاعتلال عضلة القلب الضُخامي.
وبيَّن أنَّ الدراسات اختلفت في ساعات ذروة الجلطة، ففي بعض البلدان كانت فجرًا، وأمَّا في الأردن فهي على مدار الساعة، لافِتًا إلى أنَّ الإصابة بالنوبات القلبية تكون أعلى في أوقات الصباح الباكر أي عند الساعة السادسة صباحًّا نظرًا لارتفاع هرمونات التوتر كالكورتيزول والأدرينالين، ما يزيد من ضغط الدم ونبضات القلب، فضلًا عن زيادة لزوجة الدم في الصباح، الأمر الذي يجعل الدم أكثر عرضة للتجلُّط، وانخفاض مُعدَّل تدفّق الدم إلى القلب أثناء النوم، والذي يزيد من احتمالية حدوث نقص تروية مفاجئ.
ولفت إلى أنَّ هناك اهتمامًا متزايدًا بدراسة هذه الظاهرة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي ويتم حاليًا البحث في العلاقة بين العوامل الجينية، والالتهابات الصامتة، وتأثير نمط الحياة والتوتر على ارتفاع نسبة الجلطات القلبية بين الشباب.
ونوَّه إلى أنَّه في حالة الوفاة المُفاجئة وغير المتوقَّعة، فإنَّه يتم تحويل الحالة إلى الطبِّ الشرعي لتحديد سبب الوفاة، خاصَّة إذا لم يكن هناك سجل طبّي سابق يدل على مرض قلبي ليتم إجراء تشريح في بعض الحالات لاستبعاد أي عوامل جنائية أو أسباب غير طبيعية، وفي حالات أخرى، يتم الاكتفاء بالفحص السريري والتقرير الطبي.
وفي السياق، أشارت دراسة حديثة إلى أنَّ الشباب الذين يعانون من اضطرابات نفسية كالقلق المزمن، الاكتئاب الحاد، اضطراب ثنائي القطب، أو ضغوط نفسية واجتماعية شديدة، هم أكثر عرضة للجلطات القلبية، فدراسة (Depression and Coronary Heart Disease: A Review) في مجلة American Journal of Preventive Medicine تُظهر أنَّ الاكتئاب يزيد خطر أمراض القلب بنسبة تصل إلى 40%، واضطرابات القلق ترفع الخطر بنسبة 30-48%.
من جانبه، أشار الطبيب النفسي أشرف الصالحي إلى أنَّ القلق المزمن مرتبط بزيادة مستويات الالتهاب في الجسم، إذ أنَّه يؤدي إلى تلف بطانة الأوعية الدموية، ما يسهِّل تراكم الكوليسترول وتقع الجلطات.
وأضاف أنَّه في بعض الحالات النادرة، يمكن للقلق الشديد أن يؤدي إلى حالة تسمى "متلازمة القلب المكسور" (Takotsubo cardiomyopathy)، وهي حالة تشبه الجلطة القلبية، وتحدث نتيجة لضعف مفاجئ في عضلة القلب بسبب الإجهاد العاطفي الشديد.
وتابع أنَّ العلاقة بين الاكتئاب وارتفاع ضغط الدم مُعقّدة ومتشابكة، وتشمل عوامل بيولوجية وسلوكية ونفسية، إذ يُسبِّب الاكتئاب خللًا في الجهاز العصبي اللاإرادي ومحور الغدة النخامية-الكظرية، ممَّا يزيد إفراز هرمونات التوتُّر، وبالتالي يرتفع ضغط الدم.
وأوضح أنَّ اضطرابات النوم، كالأرق أو انقطاع النفس النومي مرتبط بشكل وثيق بأمراض القلب، حيث تزيد قلة النوم المزمنة لأقل من 7 ساعات خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم بنسبة تصل إلى 20%.
ففي أحدث الدراسات التي نُشرت في عام 2023 في مجلة Journal of the American Heart Association (JAHA) ، اكتشف الباحثون أنَّه لا يوجد ارتباطًا كبيرًا بين استخدام مضادات الاكتئاب بشكل عام وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بحسب الصالحي، الذي أكد أنَّ مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) قد ارتبطت بانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولكن الأنواع الأُخرى من مضادات الاكتئاب لا تنطبق عليها هذه النتيجة.
واختتم حديثه "للأنباط" أنَّه لا يوجد دليل قاطع على أنَّ مضادات الاكتئاب تطيل العمر بشكل مباشر بعد الجلطة، إلَّا أنَّها قد تُحسِّن بشكلٍ كبير من الالتزام بالعلاج، وتشجّع على تبنّي نمط حياة صحّي وتقلِّل الالتهاب وتحسِّن جودة الحياة.