يستغل الاقتصاد الأمريكي اليوم مكانته الهائلة وحجم المعاملات التجارية التامة بـِ عُملته، مثل المعاملات التجارية العالمية التي تبلغ 7.5 تريليون ويتم 90% منها بالدولار الأمريكي الذي يعد العملة الاحتياطية الأولى في العالم، لفرض قراراته الاقتصادية الخادمة لمصالحه العُليا، مثل فرض الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والصين لتقليص حجم الواردات إلى الولايات المتحدة ورفع صادراتها العالمية في محاولة لإعادة بريق الاقتصاد الأمريكي وتقليص العجز التجاري الذي يعاني منه اليوم.
كما ويتزاحم عدد من العملات العالمية لفرض خناق على الدولار الأمريكي في محاولة لخفض قيمته، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي وتقليص حجم نموه إلى 3% بعدما كان يسجل 6%، ورفع الذهب لتسجيل مستويات قياسية سجلت 2900 دولار للأونصة، لتنطلق من هنا مساعي القرارات الأمريكية لإعادة مكانة الاقتصاد الأمريكي وفتح المجال أمام الشركات والعمالة الأمريكية لرفع الواقع الاقتصادي الأمريكي إلى الصدارة.
الخبير الاقتصادي الدكتور حيدر المجالي تحدث لـ"الأنباط" حول القرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي وإذا كانت تخدم مصالحه وعلاقاته التجارية، وأوضح أن وجهة النظر الأمريكية من اتخاذ القرارات لا تعني ما يتم فهمه حاليًا، إذ ينظر إلى الإدارة الأمريكية الحالية على أنها "إدارة تجارية تعمل لمصلحة الاقتصاد الأمريكي"، مُبينًا أن دونالد ترامب يعتقد أن الاقتصاد الأمريكي يتعرض لضغوط كبيرة فقدت بسببها الولايات المتحدة ألقها وبريقها، محاولاً من خلال قراراته أن يوجه الاقتصاد العالمي نحو الاقتصاد الأمريكي.
وبين المجالي أن المشكلة في الاقتصاد الأمريكي اليوم أنه يعاني من عجز في ميزان المدفوعات، وعجز في الميزان التجاري، وارتفاع في نسبة التضخم وآثار رفع نسب الفائدة، مُشيرًا إلى أن ما يقود مؤشرات السوق الأمريكي هو معدل الوظائف واهتمامات المستثمرين والموظفين.
ولفت المجالي إلى أنه لُوحظ في الفترة الأخيرة أن الإدارة الأمريكية الحالية لديها توجه لـ العملات المشفرة وتسعى إلى أن تستحوذ على نسبة من العملات المشفرة لتكون ضمن الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي، موضحًا أن ذلك سيدفع العملات المشفرة إلى النمو والازدهار، ما سيشجع العديد من الاقتصادات إلى أن "تحذو حذوها".
ولفت إلى أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب" ورئيس وزارة الكفاءة الحكومية "إيلون ماسك" قاموا بإصدار عملات مشفرة باسمهم وما زال العمل على هذه العملات مستمرًا، إضافة إلى السيدة الأولى في أمريكا ميلانيا ترامب، مُفسرًا أن ذلك في الدستور الأمريكي مُباح في حين يعتبر ذلك عربيًا "تنازع مصالح".
وأكد المجالي أن الاضطرابات في الاقتصاد الأمريكي تؤثر على الاقتصاد العالمي، حيث يعد الاقتصاد الأمريكي والصيني من محركات الاقتصاد العالمي وأي اضطراب يحدث ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، لافتًا إلى أن الاقتصاد العالمي يعاني من حالة ركود وعدم يقين وضغط كبير على الدولار، إضافة إلى ارتفاع الذهب القياسي واستمرارية صعوده في الفترة المقبلة، مؤكدًا أن ذلك يأتي نتيجة ارتفاع الضغط على الدولار.
وأشار إلى وجود عدد من العملات الدولية مثل اليورو والين الصيني والفرانك السويسري تحاول أن تضغط على الدولار لتنخفض من قيمته، مُبينًا أن المتضرر الأكبر من هذه السياسات هو الاقتصاد العالمي، حيث كان يسجل الاقتصاد العالمي نمو بنسبة 6% أما الآن يسجل تقريبًا 3% نتيجة زيادة الضغط على الدولار.
ولفت المجالي إلى ارتفاع معدلات البطالة في الاقتصاد العالمي، إذ سجل 5% نسبة معدل البطالة في العالم، إضافة إلى أن الاقتصاد العالمي يعاني من مديونية تصل إلى 337 تريليون دولار بينما يسجل الناتج المحلي الإجمالي العالمي فقط 117 تريليون دولار تقريبًا، الذي بدوره يزيد من الضغط على الاقتصاد العالمي.
وأشار إلى الاقتصادات الناشئة ستتضرر مثل الاقتصاد الأردني الذي يعد اقتصاد محدود، حيث يعتمد الاقتصاد الأردني على ربط سعر صرف الدينار بالدولار الأمريكي، والتجارة، والمساعدات بشكل بسيط، مؤكدًا تأثير هذه الضغوط في متانة الاقتصاد والاقتصادات الناشئة.
ولفت المجالي إلى أن الأردن بدأ في تغير سياساته من خلال الدخول في مجال العملات المشفرة وتدشين الهيكل التنظيمي والقانوني لها، واصفًا هذه الخطوة بالاتجاه الصحيح تزامنًا مع الأحداث الاقتصادية العالمية.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن رفع الرسوم الجمركية على الواردات لأمريكا من الخارج يقلل من العجز التجاري ما يعني زيادة الصادرات الأمريكية للخارج وينعكس على زيادة إنتاج السلع والخدمات داخل الولايات المتحدة ما يزيد من حجم الاستثمار في الصناعة والإنتاج الداخلي الأمريكي ويوفر فرص عمل أكثر للأمريكيين، لافتًا إلى أن ذلك يساعد في زيادة الدخل للأمريكيين وتحسين مستوياتهم المعيشية وهكذا تتلخص أهداف قرارات الرئيس الأمريكي.
وبين أن الرئيس الأمريكي لم يكتفِ بفرض الرسوم الجمركية على الخارج، إذ سيقوم بأمرين أساسيين في الداخل، الأول هو العمالة غير الشرعية في الولايات المتحدة وطردها إلى الخارج ما سيقلل من العرض في العمالة في سوق العمل ويفتح المجال أمام العمالة الأمريكية، والثاني هو تخفيض الرسوم الضريبية على الشركات إلى 15% لإتاحة مزيد من الفرص أمام الشركات وذلك بحسب رأيه والنظريات الاقتصادية لضخ المزيد من الاستثمارات للأنشطة الاقتصادية المختلفة، مُشيرًا إلى أن ذلك يهدف إلى استعادة الشركات الأمريكية المهاجرة في الخارج وبالذات الصين والمكسيك، وعودة المجمع الصناعي الاقتصادي الأمريكي إلى ما قبل انتشار العولمة.
وأكد عايش أن المستفيد الأكبر هو الشركات الأمريكية الداعمة لسياسات دونالد ترامب والممولة لحملاته الانتخابية، إذ يوجد جزء كبير من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة تقليديًا تدعم الحزب الجمهوري،
موضحًا أنه يأتي ذلك "برد الجميل" إلى سياسات تخدم بالصورة العامة شعار أمريكا أولاً والوطنية الأمريكية، وفي التفاصيل الداخلية ستخدم أهداف الشركات الداعمة للحزب الجمهوري ما يجعل هذه الشركات قادرة على تقديم التمويل الدائم لمرشحي الانتخابات الرئاسيين الجمهوريين وأعضاء الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ وحكام الولايات وكافة مستويات العملية الانتخابية الإدارية والتنفيذية والسياسية في أمريكا.
وتابع أن هناك تقليل من دور الشركات الداعمة للحزب الديمقراطي بالنظر إلى أن الحزب الديمقراطي وسياساته تذهب دائمًا إلى تخفيض الضرائب على الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل، إضافة إلى رفع الضرائب على الشركات الأمريكية والأغنياء.
وأوضح عايش أن السياسات الأمريكية لا شك بأنها سياسات تؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي والتبادل التجاري العالمي، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل ربع الاقتصاد العالمي تقريبًا ما يعني تأثيرها المباشر على ثلاثة أرباع الأخرى بسياساتها المالية والنقدية والتجارية، مضيفًا الأدوات الأخرى التي تستخدمها مثل فرض العقوبات وإيقاف العلاقات الاقتصادية مع دول أخرى، إضافة إلى تهديدها دول أخرى ما يعني أنها "تُجير الاقتصاد العالمي" لمصلحة الاقتصاد الأمريكي.
ولفت إلى أن سندات الخزانة الأمريكية تُعد نموذجًا لاستثمار دول العالم في دين الحكومة الأمريكية باعتبار هذا الدين نوع من الملاذ الآمن لـ حكومات مثل الصين واليابان والدول الخليجية والأوروبية، إذ يعبر ذلك عن تناقض حقيقي بين ما تقوم به الولايات المتحدة من إجراءات تعسفية مع العالم وبين ما يعتبره العالم من أن الدين الأمريكي نوع من الاستقرار.
ولفت إلى أن ترامب في الوقت الحاضر يحاول أن يعوض الضرائب التي سيخفضها على الشركات الأمريكية المستفيدة منه وذات العلاقة به من خلال الرسوم الجمركية المرتفعة التي يرى أنه يمكن استثمارها أو استثمار جزء منها في الصناديق سيادية استثمارية تنافس صناديق الاستثمارية الأخرى وتحديدًا الدول الخليجية.