من غزة إلى الأردن: تهجير الفلسطينيين في خيال ترامب

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

في غضون أيام، اتخذت الإدارة الأميركية ثلاث خطوات سياسية مترابطة، تعكس رؤيتها الاستراتيجية للتعامل مع القضية الفلسطينية ومُعطياتها الجديدة، والتي شملت رفع الحظر عن تصدير الذخائر الثقيلة لإسرائيل، واستثنائها ومصر من قرار وقف المساعدات الخارجية، إضافة إلى طلبها من الأردن ومصر، استيعاب المزيد من الفلسطينيين من قطاع غزة.

يسعى الأميركيون إلى إعادة هيكلة الواقع الفلسطيني، وفقًا لتصوّرات إسرائيلية كلاسيكية مُضادة لمنطق الجغرافيا والتاريخ، وقد ثبت فشلها في تحقيق السلام والاستقرار الذي لن تنعم به إسرائيل طالما أنها تُنكر حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وبالتالي، فإن إصرارها على تجربة الحلول ذاتها، وتوقُّع نتائج مختلفة، يكون ضربًا من العبث.

إن المقاربة الأميركية - الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية والتخلص من أعبائها، تفتقر إلى الاعتراف بالدور الحيوي الذي تلعبه القوى الفلسطينية والعربية الفاعلة، فهي تمنح واشنطن دورًا أكبر مما هو عليه في الواقع، والموقف السياسي المهم للأردن ومصر، وعليه، فإن التغافل عن هذه الحقائق، يُعتبر قصورًا في فهم طبيعة الصراع العربي مع إسرائيل.

ما يجب أن يدركه الإسرائيليون والأميركيون، ومن يتماهى مع مشاريعهما لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، أن الشعبين، الأردني والفلسطيني، بحكم تجاربهما التاريخية، فإنهما يمتلكان الإرادة المشتركة والوعي الكافي، لمنع تكرار المعاناة المزدوجة التي تعرضا لها نتيجة سياسات التهجير. وأن الأردن لن يكون دولة "إسفنجية" تمتص الأزمات والتحديات التي خلقتها إسرائيل باحتلالها الأراضي الفلسطينية. وأنه سيظل للأردنيين، ولن يسمح لهوية شعبه الوطنية بالذوبان أو التلاشي، فهي سر قوته واستمرار وجوده، وقد يجد الأردن نفسه في مواجهة حتمية مع إسرائيل، إن حاولت تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، كونه يعتبر ذلك خط أحمر، وإعلان حرب، وهو ما يستوجب ردًا، فنجاح إسرائيل في ذلك، يعني أن اليوم التالي لحرب غزة سيكون إسرائيليًا بامتياز، وسيدق مسمارًا كبيرًا في نعش حق العودة، وحل الدولتين الذي تتمسك به الأردن.

إن المرحلة الإقليمية والدولية التي بدأت بفوز ترامب بولاية رئاسية جديدة، وبدء المسار السياسي لحرب غزة بعد التوقف المؤقت لمسارها العسكري، تتطلب الاستثمار في بناء جبهة وطنية موحدة ومتماسكة، تعزز قدرة الأردن على ضمان أمنه الوطني وعدم تجاوز اللاءات الملكية الشهيرة، وتعويض المساعدات الأميركية التي قُطعت لأهداف سياسية، بسياسات مالية فعالة لا تنتقص من سيادة الأردن واستقلالية قراره، إضافة إلى إيجاد عمق استراتيجي عربي يوفر للأردن مظلة سياسية - اقتصادية تُمكّنه من الصمود في وجه المخططات الإسرائيلية - الأميركية، وهذا يكون برفع مستويات التنسيق والتعاون، مع مصر والسعودية.